جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (9)

{ والذين تبوءوا الدار والإيمان } جعلوا الإيمان مستقرا لهم كما جعلوا المدينة كذلك أي : لزموا المدينة والإيمان ، وتمكنوا فيهما{[4969]} والتعريف في الدار ؛ للتنويه ، كأنها الدار التي تستحق أن يسمى دارا ، { من قبلهم } من قبل هجرتهم ، وهم الأنصار ، { يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم } في أنفسهم { حاجة } كحسد وغيظ { ما أوتوا } أي لا يجدون من مال أعطى المهاجرون في أنفسهم حقدا وغرضا ، فإنه قد قسم مال بني النضير بين المهاجرين دون الأنصار ، { ويؤثرون } يقدمون المهاجرين { على أنفسهم } فيما عندهم من الأموال { ولو كان بهم خصاصة } حاجة إلى ما عندهم نزلت حين أطلق رجل من الأنصار برجل ، قال عليه الصلاة والسلام في شأنه : " رحم الله من يضيفه الليلة إلى بيته " ، ولم يكن في بيته سوى قوت صبيانه ، فنومهم وأطعمه قوتهم ، فبات هو وعياله جائعين . فقال عليه الصلاة والسلام : " ضحك{[4970]} الله من فلان " {[4971]} . { ومن يوق شح نفسه } من سلم من الحرص الشديد الذي يحمله على ارتكاب المحارم { فأولئك هم المفلحون } .


[4969]:على ما ذكرناه تبوءوا الإيمان من الاستعارة المكنية وقيل: هو من قبيل علفتها تبنا وماء باردا أي تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان /12 منه.
[4970]:أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما/12 فتح
[4971]:قال شيخ الإسلام أبو العباس في بعض فتاواه: وقول القائل: إن الضحك خفة روح ليس بصحيح وأن ذلك قد يقارنه ثم قول القائل خفة الروح إن أراد به وصفا مذموما فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ينظر إليكم أذلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب فقال له أبو رزين العقيلي: يا رسول الله أو يضحك الرب؟! قال:"نعم" قال لن نعدم من رب يضحك خيرا، فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه، فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وأنه من صفات الكمال، والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب: إنه يوما [كذا بالأصل] عبوسا قمطريرا. وقد روى أن الملائكة قالت لآدم: حياك الله وبياك، أي: أضحكك، والإنسان حيوان ناطق ضاحك وما تميز به الإنسان عن البهيمة صفة كمال فكما أن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك وإذا كان الضحك فينا مستلزم لشيء من النقص، فالله تعالى منزه عن ذلك، وذلك النقص مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقا مقرونة بالنقص كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص ووجودنا مقرون بالنقص، ولا يلزم أن لا يكون الرب موجودا وأن لا يكون له ذات ومن هنا زلت القرامطة الغلاة كصاحب الأقاليد وأمثاله فأرادوا أن ينفوا عنه كل ما يعلم بالقلب أو ينطق به اللسان من نفي وإثبات فقالوا: لا نقول موجود ولا لا موجود ولا موصوف ولا لا موصوف مما في ذلك على زعمهم من التشبيه؛ وهذا يستلزم أن يكون ممتنعا وهو مقتض للتشبيه بالممتنع والتشبيه للممتنع عن الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها، أو أن يكون مماثلا لها في شيء من صفاته كالحياة والعلم والقدرة فإنه وإن وصف به فلا تماثل صفة الخالق صفة المخلوق كالحدث والموت والفناء والإمكان/12.