المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

57- وقال مشركو مكة للرسول - صلى الله عليه وسلم - معتذرين عن بقائهم على دينهم : إن اتبعناك على دينك أخرجَنَا العرب من بلدنا وغلبونا على سلطاننا . وهم كاذبون فيما يعتذرون به ، فقد ثَبَّتَ الله أقدامهم ببلدهم ، وجعله حرما يأمنون فيه - وهم كفرة - من الإغارة والقتل ، وتُحمل إليه الثمرات والخيرات المتنوعة الكثيرة رزقاً يسوقه الله إليهم من كل جهة ، فكيف يستقيم أن يسلبهم الأمن ويعرضهم للتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت الإيمان بمحمد ؟ ولكن أكثرهم لا يعلمون الحق ، ولو علموا لما خافوا التَّخطف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

{ 57-59 } { وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

يخبر تعالى أن المكذبين من قريش وأهل مكة ، يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم : { إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } بالقتل والأسر ونهب الأموال ، فإن الناس قد عادوك وخالفوك ، فلو تابعناك لتعرضنا لمعاداة الناس كلهم ، ولم يكن لنا بهم طاقة .

وهذا الكلام منهم ، يدل على سوء الظن باللّه تعالى ، وأنه لا ينصر دينه ، ولا يعلي كلمته ، بل يمكن الناس من أهل دينه ، فيسومونهم سوء العذاب ، وظنوا أن الباطل سيعلو على الحق .

قال اللّه مبينا لهم حالة هم بها دون الناس وأن اللّه اختصهم بها ، فقال : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا } أي : أولم نجعلهم متمكنين [ ممكنين ] في حرم يكثره المنتابون ويقصده الزائرون ، قد احترمه البعيد والقريب ، فلا يهاج أهله ، ولا ينتقصون بقليل [ ولا كثير ] .

والحال أن كل ما حولهم من الأماكن ، قد حف بها الخوف من كل جانب ، وأهلها غير آمنين ولا مطمئنين ، فَلْيَحْمَدُوا ربهم على هذا الأمن التام ، الذي ليس فيه غيرهم ، وعلى الرزق الكثير ، الذي يجيء إليهم من كل مكان ، من الثمرات والأطعمة والبضائع ، ما به يرتزقون ويتوسعون . ولْيَتَّبِعُوا هذا الرسول الكريم ، ليتم لهم الأمن والرغد .

وإياهم وتكذيبه ، والبطر بنعمة الله ، فيبدلوا من بعد أمنهم خوفا ، وبعد عزهم ذلا ، وبعد غناهم فقرا ، ولهذا توعدهم بما فعل بالأمم قبلهم ، فقال :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

ثم حكى - سبحانه - جانبا من الاعتذارات الواهية التى تذرع بها المشركون فى عدم الدخول فى الإسلام .

فقال - تعالى - : { وقالوا إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } والتخطف : الانتزاع بسرعة . يقال : فلان اختطفه الموت . إذا أخذه بغتة بدون إمهال .

وقد ذكروا فى سبب نزولها ، أن بعض المشركين أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له : يا محمد ، نحن نعلم أنك على الحق ، ولكنا نخشى إن اتبعناك ، وخالفنا العرب ، أن يتخطفونا من أرضنا ، وإنما نحن أكلة رأس - أى : قليلون لا نستطيع مقاومة العرب .

وقد رد الله - تعالى - على تعللهم هذا بقوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

وقوله : { يجبى إِلَيْهِ } أى : يحمل إليه ، يقال جبى فلان الماء فى الحوض إذا جمعه فيه ، وحمله إليه .

والاستفهام لتقريعهم على قولهم هذا الذى يخالف الحقيقة .

أى : كيف قالوا ذلك ، مع أننا قد جعلنا لهم حرما ذا أمان يعيشون من حوله ، وتأتيهم خيرات الأرض من كل مكان ، وقد فعلنا ذلك معهم وهم مشركون ، فكيف نعرضهم للخطف وهم مؤمنون .

قال صاحب الكشاف : وكانت العرب فى الجاهلية حولهم - أى حول أهل مكة - يتغاورون ويتناحرون وهم آمنون مطمئنون فى حرمهم ، وبحرمة البيت هم قارون بواد غير ذى زرع ، والثمرات والأرزاق تجبى إليهم من كل مكان ، فإذا خولهم الله ما خولهم من الأمن والرزق بحرمة البيت وحدها ، وهم كفرة عبدة أصنام ، فكيف يستقيم أن يعرضهم للتخطف والخوف ، ويسلبهم الأمن ، إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة ، الإسلام . . .

والتعبير بقوله - سبحانه - : { يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً } للإشعار بكثرة الخيرات والثمرات ، التى تأتى إلى أهل مكة من كل جانب من جوانب الأرض ، ومن كل نوع من أنواع ثمارها . والجملة الكريمة صفة من صفات الحرم .

وقوله - تعالى - : { مِّن لَّدُنَّا } أى : من جهتنا ومن عندنا وليس من عند غيرنا الذين تخشون غضبهم أو تخطفهم لكم ، إن اتبعتم الرسول صلى الله عليه وسلم .

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة بيان سعة فضل الله - تعالى - ، وأنه هو القادر على كل شىء .

وقوله - تعالى - : { ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } متعلق بقوله { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً } .

أى : لقد جعلنا لهم حرما ذا أمن ، وأفضنا عليهم من خيرات الأرض ، ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة ، ويجهلون أن اتباعهم للدين الحق ، يؤدى إلى سعادتهم فى حياتهم وبعد مماتهم .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (57)

{ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا } نخرج منها . نزلت في الحرث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نحن نعلم أنك على الحق ولكنا نخاف إن اتبعناك وخالفنا العرب وإنما نحن أكلة رأس أن يتخطفونا من أرضنا فرد الله عليهم بقوله : { و لم نمكن لهم حرما آمنا } أو لم نجعل مكانهم حرما ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه يتناحر العرب حوله وهم آمنون فيه . { يجبى إليه } يحمل إليه ويجمع فيه ، وقرأ نافع ويعقوب في رواية بالتاء . { ثمرات كل شيء } من كل أوب . { رزقا من لدنا } فإذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف نعرضهم للتخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } جهلة لا يتفطنون له ولا يتفكرون ليعلموه ، وقيل إنه متعلق بقوله { من لدنا } أي قليل منهم يتدبرون فيعلمون أن ذلك رزق من عند الله ، وأكثرهم لا يعلمون إذ لو علموا لما خافوا غيره ، وانتصاب { رزقا } على المصدر من معنى { يجبى } ، أو حال من ال { ثمرات } لتخصصها بالإضافة ، ثم بين أن الأمر بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله : { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها } .