المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

55- إنما ولايتكم - أيها المؤمنون - لله ورسوله وأنفسكم ، ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وهم خاضعون لله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

{ 55 ، 56 ْ } { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ْ }

لما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين ، أخبر تعالى مَن يجب ويتعين توليه ، وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ْ } فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى . فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا ، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله ، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه ، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا ، وأخلصوا للمعبود ، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها ، وأحسنوا للخلق ، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم .

وقوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ ْ } أي : خاضعون لله ذليلون . فأداة الحصر في قوله { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ْ } تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين ، والتبري من ولاية غيرهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

ثم بين - سبحانه - من تجب موالاتهم ، بعد النهي عن تولي من تجب معاداتهم فقال : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ } .

أي : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله } المفيض عليكم كل خير ، والمرجو وحده في الشدائد والكروب { وَرَسُولُهُ } الذي أخرجكم - بإذنه تعالى - من ظلمات الكف إلى نور التوحيد . { والذين آمَنُواْ } الذين هم منكم وأنتم منهم والذين { يُقِيمُونَ الصلاة } في مواقيتها بخشوع وإخلاص { وَيُؤْتُونَ الزكاة } لمستحقيها بسماحة وطيب نفس { وَهُمْ رَاكِعُونَ } أي : خاشعون متواضعون لله ، وليسوا مرائين أو منانين .

وقوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله } جملة من مبتدأ وخبر . وقوله : { وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ } معطوف على الخبر .

قال صاحب الكشاف : ومعنى { إنما } وجوب اختصاصهم بالمولاة . فإن قلت قد ذكرت - الآية - جماعة فهلا قيل إنما أولياؤكم ؟ قلت : أصل الكلام إنما وليكم الله ، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ، ثم نظم في سلك إثباتها له ، إثباتها لرسوله وللمؤمنين على سبيل التبع . ولو قيل : إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا ، لم يكن في الكلام أصل وتبع .

والمراد بالذين آمنوا عامة المؤمنين وليس فردا معينا منهم .

قال - تعالى - : { والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر وَيُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وما ورد من آثار تفيد أن المراد بالذين آمنوا شخصا معينا وهو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لا يعتمد عليها ، لأنهما كما يقول ابن كثير - " لم يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها " .

وقد توسع الإِمام الرازي في الرد على الشيعة الذين وضعوا هذه الآثار فارجع إليه إن شئت .

وقوله : { الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة } بدل من الذين آمنوا .

وهما وصفان لهما ساقهما - سبحانه - على سبيل الثناء عليهم والمدح لهم .

وقوله : { وَهُمْ رَاكِعُونَ } حال من فاعل الفعلين - يقيمون ويؤتون - .

أي : يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون خاضعون لله - تعالى - إذ الركوع قد يطلق بمعنى الخضوع لله - تعالى - :

قال الراغب : الركوع : الانحناء وتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة ، وتارة يستعمل في التذلل والتواضع إما في العبادة وإما في غيرها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

51

ويحدد الله للذين آمنوا جهة الولاء الوحيدة التي تتفق مع صفة الإيمان ؛ ويبين لهم من يتولون :

( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )

هكذا على وجه القصر الذي لا يدع مجالا للتمحل أو التأول ؛ ولا يترك فرصة لتمييع الحركة الإسلامية أو تمييع التصور . .

ولم يكن بد أن يكون الأمر كذلك ! لأن المسألة في صميمها - كما قلنا - هي مسألة العقيدة . ومسألة الحركة بهذه العقيدة . وليكون الولاء لله خالصا ، والثقة به مطلقة ، وليكون الإسلام هو " الدين " . وليكون الأمر أمر مفاصلة بين الصف المسلم وسائر الصفوف التي لا تتخذ الإسلام دينا ، ولا تجعل الإسلام منهجا للحياة . ولتكون للحركة الإسلامية جديتها ونظامها ؛ فلا يكون الولاء فيها لغير قيادة واحدة وراية واحدة . ولا يكون التناصر إلا بين العصبة المؤمنة ؛ لأنه تناصر في المنهج المستمد من العقيدة . .

ولكن حتى لا يكون الإسلام مجرد عنوان ، أو مجرد راية وشعار ، أو مجرد كلمة تقال باللسان ، أو مجرد نسب ينتقل بالوراثة ، أو مجرد وصف يلحق القاطنين في مكان ! فإن السياق يذكر بعض السمات الرئيسية للذين آمنوا :

( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وهم راكعون ) . .

فمن صفتهم إقامة الصلاة - لا مجرد أداء الصلاة - وإقامة الصلاة تعني أداءها أداء كاملا ، تنشأ عنه آثارها التي يقررها قوله تعالى : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . . والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يقم الصلاة ؛ فلو أقامها لنهته كما يقول الله !

ومن صفتهم إيتاء الزكاة . . أي أداء حق المال طاعة لله وقربى عن رضى نفس ورغبة . فليست الزكاة مجرد ضريبة مالية ، إنما هي كذلك عبادة . أو هي عبادة مالية . وهذه هي ميزة المنهج الإسلامي . الذي يحقق أهدافا شتى بالفريضة الواحدة . وليس كذلك الأنظمة الأرضية التي تحقق هدفا وتفرط في أهداف . .

إنه لا يغني في إصلاح حال المجتمع أن يأخذ المجتمع المال ضريبة [ مدنية ! ] أو أن يأخذ المال من الأغنياء للفقراء باسم الدولة ، أو باسم الشعب ، أو باسم جهة أرضية ما . . فهي في صورتها هذه قد تحقق هدفا واحدا ؛ وهو إيصال المال للمحتاجين . .

فأما الزكاة . . فتعني اسمها ومدلولها . . إنها قبل كل شيء طهارة ونماء . . إنها زكاة للضمير بكونها عبادة لله . وبالشعور الطيب المصاحب لها تجاه الإخوان الفقراء ، بما أنها عبادة لله يرجو عليها فاعلها حسن الجزاء في الآخرة ، كما يرجو منها نماء المال في الحياة الدنيا بالبركة وبالنظام الاقتصادي المبارك . ثم بالشعور الطيب في نفوس الفقراء الآخذين أنفسهم ؛ إذ يشعرون أنها فضل الله عليهم إذ قررها لهم في أموال الأغنياء ؛ ولا يشعرون معها بالحقد والتشفي من إخوانهم الأغنياء [ مع تذكر أن الأغنياء في النظام الإسلامي لا يكسبون إلا من حلال ولا يجورون على حق أحد وهم يجمعون نصيبهم من المال ] . . وفي النهاية تحقق هدف الضريبة المالية في هذا الجو الراضي الخير الطيب . . جو الزكاة والطهارة والنماء . .

وأداء الزكاة سمة من سمات الذين آمنوا تقرر أنهم يتبعون شريعة الله في شئون الحياة ؛ فهي إقرار منهم بسلطان الله في أمرهم كله . . وهذا هو الإسلام . .

( وهم راكعون ) . .

ذلك شأنهم ، كأنه الحالة الأصلية لهم . . ومن ثم لم يقف عند قوله : ( يقيمون الصلاة ) . . فهذه السمة الجديدة أعم وأشمل . إذ أنها ترسمهم للخاطر كأن هذا هو شأنهم الدائم . فأبرز سمة لهم هي هذه السمة ، وبها يعرفون . .

وما أعمق إيحاءات التعبيرات القرآنية في مثل هذه المناسبات !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ} (55)

الخطاب بقوله : { إنما وليكم الله } الآية للقوم الذين قيل لهم { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } [ المائدة : 51 ] ، و { إنما } في هذه الآية حاصرة يعطي ذلك المعنى ، وولي اسم جنس{[4597]} ، وقرأ ابن مسعود «إنما مولاكم الله » وقوله : { والذين آمنوا } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم { الذين يقيمون الصلاة } المفروضة بجميع شروطها { ويؤتون الزكاة } ، وهي هنا لفظ عام للزكاة المفروضة وللتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر ، إذ هي تنمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس الذنوب ، فالمؤمنون يؤتون من ذلك كل بقدر استطاعته ، وقرأ ابن مسعود «آمنوا والذين يقيمون » بواو ، وقوله تعالى : { وهم راكعون } جملة معطوفة على جملة ، ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة ، وهو هيئة تواضع فعبر به عن جميع ، الصلاة ، كما قال { والُّرَّكع السجود }{[4598]} وهي عبارة عن المصلين ، وهذا قول جمهور المفسرين ، ولكن اتفق أن علياً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع ، قال السدي : هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن علياً بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم ، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة ، وأعطانيه وهو راكع ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، الله أكبر وتلا الآية على الناس{[4599]} .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وقال مجاهد : نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع ، وفي هذا القول نظر ، والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور ، وقد قيل لأبي جعفر نزلت هذه الآية في علي ، فقال علي من المؤمنين ، والواو على هذا القول في قوله { وهم } واو الحال ، وقام قوم نزلت الآية من أولها بسبب عبادة بن الصامت وتبرئه من بني قينقاع{[4597]} وقال ابن الكلبي نزلت بسبب قوم أسلموا من أهل الكتاب فجاؤوا فقالوا يا رسول الله بيوتنا بعيدة ولا متحدث لنا إلا مسجدك وقد أقسم قومنا أن لا يخالطونا ولا يوالونا ، فنزلت الآية مؤنسة لهم{[4598]} .


[4597]:- ولهذا جاءت بالإفراد، ولم يقل الله تعالى: {أولياؤكم} وإن كان المخبر به متعددا لأن [وليا] اسم جنس، أو لأن الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع، ولو ذكر جمعا لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية. ذكر ذلك أبو حيان في "البحر".
[4598]:- من قوله تعالى في الآية (125) من سورة (البقرة): {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}، أو من قوله في الآية (26) من سورة (الحج): {وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود}.
[4599]:- الحديث مروي من طرق كثيرة مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ، فقد أخرجه الخطيب في المتفق- عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه الطبراني في الأوسط، وابن مردويه- عن عمار بن ياسر، وأخرج مثله أبو الشيخ وابن مردويه- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (الدر المنثور).