المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

77- قل - أيها الرسول - للناس : إن الله لا يعنيه منكم إلا أن تعبدوه وتدعوه في شئونكم ولا تدعوا غيره ، ولذلك خلقكم ، ولكن الكافرين منكم كذبوا ما جاء به الرسل ، فسيكون عذابهم لازماً لا منجي لهم منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية ؟

فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال :  { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } أي : عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين .

تم تفسير سورة الفرقان ، فلله الحمد والثناء والشكر أبدا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { قُلْ مَا . . . } .

قال القرطبى : يقال : ما عبأت بفلان ، أى : ما باليت به . أى : ما كان له عندى وزن ولا قدر . وأصل يعبأ : من العبء وهو الثقل . . . فالعبء : الحمل الثقيل ، والجمع أعباء . و " ما " استفهامية ، وليس يبعد أن تكون نافية ، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفى خرج مخرج الاستفهام ، وحقيقة القول عندى أن موضع " ما " نصب والتقدير أى عبء يعبأ بكم ربى ؟ أى : أى مبالاة يبالى بكم ربى لولا دعاؤكم . .

هذا ، وللعلماء فى تفسير هذه الآية أقوال منها : أن قوله - تعالى - : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } خطاب للمؤمنين أو للناس جميعا ، وأن المصدر هو . دعاؤكم مضاف لفاعله ، وأن بقية الآية وهى قوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ . . . } خطاب للكافرين ، والمعنى على هذا القول :

قل - أيها الرسول الكريم - للمؤمنين أو للناس جميعا ، أى اعتداد لكم عند ربكم لولا دعاؤكم ، أى : لولا عبادتكم له - عز وجل - أى : لولا إخلاصكم العبادة له لما اعتد بكم .

ثم أفرد الكافرين بالخطاب فقال : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أيها الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } .

أى : فسوف يكون جزاء التكذيب " لزاما " أى : عذابا دائما ملازما لكم . فلزاما مصدر لام ، كقاتل قتالا ، والمراد به هنا اسم الفاعل .

وقد وضح صاحب الكشاف هذا القول فقال : لما وصف الله - تعالى - عبادة العباد ، وعدد صالحاتهم وحسناتهم . . . أتبع ذلك ببيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم ، لأجل عبادتهم فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصرح للناس ، ويجزم لهم القول ، بأن الاكتراث لهم عند ربهم ، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر . . .

وقوله { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } يقول : إذا أعلمتكم أن حكمى ، أنى لا أعتد بعبادى إلا من أجل عبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى ، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم فى النار . ونظيره فى الكلام أن يقول الملك لمن عصاه : " إن من عادتى أن أحسن إلى من يطيعنى ، ويتبع أمرى ، فقد عصيتَ فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . . " .

ومن العلماء من يرى أن الخطاب فى الآية للكافرين ، وأن المصدر مضاف لمفعوله ، فيكون المعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء الكافرين ، ما يعبأ بكم ربى ، ولا يكترث لوجودكم ، لولا دعاؤه إياكم على لسانى ، إلى توحيده وإخلاص العبادة له ، وبما أنى قد دعوتكم فكذبتم دعوتى . فسوف يكون عاقبة ذلك ملازمة العذاب لكم .

وهذا قول جيد ولا إشكال فيه وقد تركنا بعض الأقوال لضعفها ، وغناء هذين القولين عنها .

وبعد : فهذا تفسير لسورة " الفرقان " تلك السورة التى حكت شبهات المشركين وأبطلتها . وساقت من تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيته ، وبشرت عباد الرحمن بأرفع المنازل .

ونسأل الله - تعالى - أن يجعلنا جميعا منهم ، وأن يحشرنا فى زمرتهم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

63

والآن وقد صور عباد الرحمن . تلك الخلاصة الصافية للبشرية . يختم السورة بهوان البشرية على الله لولا هؤلاء الذين يتطلعون إلى السماء . فأما المكذبون فالعذاب حتم عليهم لزام .

( قل : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) . .

وهو ختام يناسب موضوع السورة كلها ؛ ومساقها للتسرية عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتعزيته عما يلاقي من عناد قومه وجحودهم ، وتطاولهم عليه ، وهم يعرفون مقامه ؛ ولكنهم في سبيل الإبقاء على باطلهم يعاندون ويصرون . . فما قومه ? وما هذه البشرية كلها ، لولا القلة المؤمنة التي تدعو الله . وتتضرع إليه . كما يدعو عباد الرحمن ويتضرعون ?

من هم والأرض التي تضم البشر جميعا إن هي إلا ذرة صغيرة في فضاء الكون الهائل . والبشرية كلها إن هي إلا نوع من أنواع الأحياء الكثيرة على وجه هذه الأرض . والأمة واحدة من أمم هذه الأرض . والجيل الواحد من أمة إن هو إلا صفحة من كتاب ضخم لا يعلم عدد صفحاته إلا الله ?

وإن الإنسان مع ذلك لينتفخ وينتفخ ويحسب نفسه شيئا ؛ ويتطاول ويتطاول حتى ليتطاول على خالقه سبحانه ! وهو هين هين ، ضعيف ضعيف ، قاصر قاصر . إلا أن يتصل بالله فيستمد منه القوة والرشاد ، وعندئذ فقط يكون شيئا في ميزان الله ؛ وقد يرجح ملائكة الرحمن في هذا الميزان . فضلا من الله الذي كرم هذا الإنسان وأسجد له الملائكة ، ليعرفه ويتصل به ويتعبد له ، فيحفظ بذلك خصائصه التي سجدت له معها الملائكة ؛ وإلا فهو لقي ضائع ، لو وضع نوعه كله في الميزان ما رجحت به كفة الميزان !

( قل : ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) . . وفي التعبير سند للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وإعزاز : ( قل : ما يعبأ بكم ربي ) . فأنا في جواره وحماه . هو ربي وأنا عبده . فما أنتم بغير الإيمان به ، والانضمام إلى عباده ? إنكم حصب جهنم ( فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

ثم قال{[21688]} تعالى : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } أي : لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه ؛ فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا .

وقال مجاهد ، وعمرو بن شعيب : { مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } يقول : ما يفعل بكم ربي .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه{[21689]} إلى المؤمنين .

وقوله : { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } أي : أيها الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } أي : فسوف يكون تكذيبكم{[21690]} لزامًا لكم ، يعني : مقتضيا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة ، ويدخل في ذلك يوم بدر ، كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم .

وقال الحسن البصري : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } يعني : يوم القيامة . ولا منافاة بينهما . والله أعلم .


[21688]:- في أ : "وقال".
[21689]:- في ف : "حبب".
[21690]:- في أ : "تكذيبهم".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

وقوله : { قل ما يعبؤا بكم } الآية أمر لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بذلك ، و { ما } تحتمل النفي وتحتمل التقرير والكلام في نفسه يحتمل تأويلات أحدها أن تكون الآية إلى قوله { لولا دعاؤكم } خطاباً لجميع الناس فكأنه قال لقريش منهم أي ما يبالي الله بكم ولا ينظر إليكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت إذ ذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله . قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }{[8893]} [ الذاريات : 56 ] . وقال النقاش وغيره المعنى لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك فذلك هو عرف الناس المرعي{[8894]} فيهم ، وقرأ ابن الزبير وغيره «فقد كذب الكافرون » وهذا يؤيد أن الخطاب بما يعبأ هو لجميع الناس ، ثم يقول لقريش فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون العذاب والتكذيب الذي هو سبب العذاب لزاماً ، والثاني أن يكون الخطاب بالآيتين لقريش خاصة أي { ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } الأصنام آلهة دونه فإن ذلك يوجب تعذيبكم ، والثالثة وهو قول مجاهد أي ما يعبأ ربكم بكم لولا أن دعاكم إلى شرعه فوقع منكم الكفر والإعراض .

قال القاضي أبو محمد : والمصدر في هذا التأويل مضاف إلى المفعول وفي الأولين مضاف إلى الفاعل و { يعبأ } مشتق من العبء ، وهو الثقل الذي يعبأ ويرتب كما يعبأ الجيش{[8895]} ، وقرأ ابن الزبير «وقد كذبت الكافرون فسوف » ، قال ابن جني قرأ ابن الزبير وابن عباس الخ . . . «فقد كذب الكافرون » ، قال الزهراوي وهي قراءة ابن مسعود قال وهي على التفسير وأكثر الناس على أن «اللزام » المشار إليه في هذا الموضع هو يوم بدر وهو قول أبي بن كعب وابن مسعود ، والمعنى فسوف يكون جزاء التكذيب ، وقالت فرقة هو تعوذ بعذاب الآخرة ، وقال ابن مسعود اللزام التكذيب نفسه أي لا تعطون توبة ذكره الزهراوي ، وقال ابن عباس أيضاً «اللزام » الموت وهذا نحو القول ببدر وإن أراد به متأول الموت المعتاد في الناس عرفاً فهو ضعيف ، وقرأ جمهور الناس «لِزاماً » بكسر اللام من لوزم وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي{[8896]} : [ الوافر ]

فإمّا ينجوا من حتف أرض . . . فقد لقيا حتوفهما لزاما

وقرأ أبو السمال «لَزاماً » لفتح اللام من لزم{[8897]} والله المعين .


[8893]:الآية 56 من سورة الذاريات.
[8894]:في بعض النسخ: المدعى فيهم.
[8895]:في (اللسان- عبأ): "عبأ الأمر عبئا وعبأه يعبئه: هيأه، وعبأت المتاع: جعلت بعضه على بعض، وقيل: عبأ المتاع وعبأه: كلاهما هيأه، وكذلك الخيل والجيش، وكان يونس لا يهمز تعبية الجيش".
[8896]:هو صخر بن عبد الله الخيثمي الهذلي، وفي الأغاني أنه لقب بصخر الغي لخلاعته وشدة بأسه وكثرة شره، وله ترجمة في الإصابة، وفي الأغاني، والبيت في (اللسان- لزم) وفيه "قال أبو عبيدة: وجاء في التفسير عن الجماعة أنه يوم بدر، وما نزل بهم فيه، فإنه لوزم بين القتلى لزاما، أي: فصل، وأنشد أبو عبيدة لصخر الغي: فإما ينجوا...البيت، وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، إن نجا من حتف مكان لقيه الحتف في مكان آخر لزاما".
[8897]:قال أبو جعفر: يكون مصدر لزم، والكسر أولى، وقال غيره: اللزام بالكسر مصدر لازم لزاما، مثل خاصم خصاما، واللزام بالفتح مصدر لزم، مثل سلم سلاما، أي سلامة، فاللزام بالفتح اللزوم، واللزام: الملازمة، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل، فاللزام في موقع: ملازم، واللزام في موقع: لازم.