البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا} (77)

عباءً من العبء وهو الثقيل ، يقال : عبأت الجيش بالتخفيف والتثقيل هيأته للقتال ، ويقال : ما عبأت به أي ما اعتددت به كقولك : ما اكترثت به .

ولما وصف عباده العباد وعدد ما لهم من صالح الأعمال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصرح للناس بأن لا اكتراث لهم عند ربهم إنما هو العبادة والدعاء في قوله { لولا دعاؤكم } هو العبادة والظاهر أن { ما } نفي أي ليس { يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم } ويجوز أن تكون استفهامية فيها معنى النفي أي ، أي عبء يعبأ بكم ، و { دعاؤكم } مصدر أضيف إلى الفاعل أي لولا عبادتكم إياه أي لولا دعاؤكم وتضرعكم إليه أو ما يعبأ بتعذيبكم لولا دعاؤكم الأصنام آلهة .

وقيل : أضيف إلى المفعول أي لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته .

والذي يظهر أن قوله { قل ما يعبأ بكم } خطاب لكفار قريش القائلين نسجد لما تأمرنا أي لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إياه في الشدائد .

{ فقد كذبتم } بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتستحقون العقاب { فسوف يكون } العقاب وهو ما أنتجه تكذبيكم ونفس لهم في حلوله بلفظة { فسوف يكون لزاماً } أي لازماً لهم لا ينفكون منه .

وقرأ عبد الله وابن عباس وابن الزبير : فقد كذب الكافرون وهو محمول على أنه تفسير لا قرآن ، والأكثرون على أن اللزام هنا هو يوم بدر وهو قول ابن مسعود وأُبَيّ .

وقيل : عذاب الآخرة .

وقيل : الموت ولا يحمل على الموت المعتاد بل القتل ببدر .

وقيل : التقدير { فسوف يكون } هو أي العذاب وقد صرح به من قرأ { فسوف يكون } العذاب { لزاماً } والوجه أن يترك اسم كان غير منطوق به بعدما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام وتناول ما لا يكتنهه الوصف .

وعن ابن عباس { فسوف يكون } هو أي التكذيب { لزاماً } أي لازماً لكم لا تعطون توبة ذكره الزهراوي .

قال الزمخشري : والخطاب إلى الناس على الإطلاق ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب { فقد كذبتم } يقول إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد إلاّ بعبادتهم ، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار .

ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن عصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمري ، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك .

وقرأ ابن جريج : فسوف تكون بتاء التأنيث أي فسوف تكون العاقبة ، وقرأ الجمهور { لزاماً } بكسر اللام .

وقرأ المنهال وأبان بن ثعلب وأبو السمال بفتحها مصدر يقول لزم لزوماً ولزاماً ، مثل ثبت ثبوتاً وثباتاً .

وأنشد أبو عبيدة عليّ كسر اللام لصخر الغي :

فإما ينج من حتف أرض *** فقد لقيا حتوفهما لزاماً

ونقل ابن خالويه عن أبي السمال أنه قرأ لزام على وزن حذام جعله مصدراً معدولاً عن اللزمة كفجار معدول عن الفجرة .