المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

16- يا بني : إن الحسنة أو السيئة للإنسان إن تكن - مثلا - في الصغر كحبة الخردل ، فتكن في أخفي مكان كقلب صخرة أو في السماوات أو في الأرض يظهرها الله ويحاسب عليها ، إن الله لطيف لا تخفي عليه دقائق الأشياء ، خبير يعلم حقائق الأشياء كلها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه ، وتمام خبرته وكمال قدرته ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطف في علمه وخبرته ، حتى اطلع على البواطن والأسرار ، وخفايا القفار والبحار .

والمقصود من هذا ، الحث على مراقبة اللّه ، والعمل بطاعته ، مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح ، قَلَّ أو كَثُرَ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

ثم ذكر - سبحانه - بقية الوصايا التى أوصى بها لقمان ابنه فقال : { يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله } .

والضمير فى قوله : { إِنَّهَآ } يعود إلى الفعلة التى يفعلها من خير أو شر . و { تَكُ } مجزوم بسكون النون المحذوفة ، وهو فعل الشرط . والجواب : { يَأْتِ بِهَا الله } والمثقال : أقل ما يوزن به الشئ . والخردل : فى غاية الصغر الدقة .

والمعنى : يا بنى إن ما تفعله من حسنة أو سيئة ، سواء أكان فى نهاية القلة والصغر ، كمثال حبة من خردل ، أم كان هذا الشئ القليل مخبوءا فى صخرة من الصخور الملقاة فى فجاد الأرض ، أم كان فى السماوات أم فى الأرض ، فإن الله - تعالى - يعلمه ويحضره ويجازى عليه { إِنَّ الله } - تعالى - لطيف خبير أى : محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها ، عظيمها وصغيرها .

فالمقصود من الآية الكريمة ، غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله - تعالى - سبحانه - لا يخفى عليه شئ فى هذا الكون ، مهما دق وقل وتخفى فى أعماق الأرض والسماء .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

وبعد هذا الاستطراد المعترض في سياق وصية لقمان لابنه ، تجيء الفقرة التالية في الوصية ، لتقرر قضية الآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل . ولكن هذه الحقيقة لا تعرض هكذا مجردة ، إنما تعرض في المجال الكوني الفسيح ، وفي صورة مؤثرة يرتعش لها الوجدان ، وهو يطالع علم الله الشامل الهائل الدقيق اللطيف : ( يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، فتكن في صخرة ، أو في السماوات ، أو في الأرض ، يأت بها الله . إن الله لطيف خبير ) . .

وما يبلغ تعبير مجرد عن دقة علم الله وشموله ، وعن قدرة الله سبحانه ، وعن دقة الحساب وعدالة الميزان ما يبلغه هذا التعبير المصور . وهذا فضل طريقة القرآن المعجزة الجميلة الأداء ، العميقة الإيقاع . . حبة من خردل . صغيرة ضائعة لا وزن لها ولا قيمة . ( فتكن في صخرة ) . . صلبة محشورة فيها لا تظهر ولا يتوصل إليها . ( أو في السماوات ) . . في ذلك الكيان الهائل الشاسع الذي يبدو فيه النجم الكبير ذو الجرم العظيم نقطة سابحة أو ذرة تائهة . ( أو في الأرض )ضائعة في ثراها وحصاها لا تبين . ( يأت بها الله ) . . فعلمه يلاحقها ، وقدرته لا تفلتها . ( إن الله لطيف خبير ) . . تعقيب يناسب المشهد الخفي اللطيف .

ويظل الخيال يلاحق تلك الحبة من الخردل في مكامنها تلك العميقة الوسيعة ؛ ويتملى علم الله الذي يتابعها . حتى يخشع القلب وينيب ، إلى اللطيف الخبير بخفايا الغيوب . وتستقر من وراء ذلك تلك الحقيقة التي يريد القرآن إقرارها في القلب . بهذا الأسلوب العجيب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم ؛ ليمتثلها الناس ويقتدوا بها ، فقال : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } أي : إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة [ من ] {[22959]} خردل . وجوز بعضهم أن يكون الضمير في قوله : { إِنَّهَا } ضمير الشأن والقصة . وجوز على هذا رفع { مِثْقَالَ } والأول أولى .

وقوله : { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } أي : أحضرها الله يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيرًا فخير ، وإن شرًا فشر . كما قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] ، وقال تعالى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ، 8 ] ، ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صَمَّاء ، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات أو الأرض{[22960]} فإن الله يأتي بها ؛ لأنه لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ؛ ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطيف العلم ، فلا تخفى عليه الأشياء وإن دَقت ولطفت وتضاءلت { خَبِيرٌ } بدبيب النمل في الليل البهيم .

وقد زعم بعضهم أن المراد بقوله : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أنها صخرة تحت الأرضين{[22961]} السبع ، ذكره السُّدِّي بإسناده ذلك المطروق عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة إن صح ذلك ، ويروى هذا عن عطية العوفي ، وأبي مالك ، والثوري ، والمِنهال بن عمرو ، وغيرهم . وهذا والله أعلم ، كأنه متلقى من الإسرائيليات التي لا تصدق ، ولا تكذب ، والظاهر - والله أعلم - أن المراد : أن هذه الحبة في حقارتها لو كانت داخل صخرة ، فإن الله سيبديها ويظهرها بلطيف علمه ، كما قال{[22962]} الإمام أحمد :

حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صَمَّاء ، ليس لها باب ولا كوَّة ، لخرج عمله للناس كائنًا ما كان " {[22963]} .

/خ19


[22959]:- زيادة من ت، أ.
[22960]:- في ف: "والأرض".
[22961]:- في ف، أ: "الأرض".
[22962]:- في ت: "كما روى".
[22963]:- المسند (3/28) وحسنه الهيثمي في المجمع (10/225) وفيه ابن لهيعة عن دراج وهما ضعيفان.