أنه أنزله { فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } أي : كثيرة الخير والبركة وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، فأنزل أفضل الكلام بأفضل الليالي والأيام على أفضل الأنام ، بلغة العرب الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره ويقتبسوا من هداه ويسيروا وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الأخروي ولهذا قال : { إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا } أي : في تلك الليل الفاضلة التي نزل فيها القرآن
والواو فى قوله - تعالى - : { والكتاب المبين } للقسم ، وجوابه { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } .
والمراد بالليلة المباركة : ليلة القدر . .
أى : وحق هذا القرآن الواضح الكلمات ، البين الأسلوب ، لقد ابتدأنا إنزاله فى ليلة كثيرة البركات والخيرات .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد وصف هه الليلة بأنها مباركة ، لزيادة خيرها وفضلها ، ولما تتابع فيها من نعم دينية ودنيوية . .
ولله - تعالى - أن يفضل بعض الأزمنة على بعض وبعض الأمكنة على بعض وبعض الرسل على بعض . . لا راد لفضله ، ولا معقب لحكمه . .
قال الإِمام ابن كثير : " يقول الله - تعالى - " مخبرا عن هذا القرآن الكريم : أنه أنزله فى ليلة مباركة ، وهى ليلة القدر ، كما قال - تعالى - : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر . . } وكان ذلك فى شهر رمضان ، كما قال - تعالى - : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن } ومن قال بأنها - أى : الليلة المباركة - ليلة النصف من شعبان - كما روى عن عكرمة - فقد أبعد النَّجعة ، فإن نصف القرآن أنها فى رمضان .
هذا وقد فصل بعضهم أدلة من قال بأن المراد بها ليلة القدر ، وأدلة من قال بأن المراد بها ليلة النصف من شعبان .
والحق أن المراد بها ليلة القدر ، التى أنزل فيها القرآن من شهر رمضمان كما نصت على ذلك آية سورة البقرة التى تقول : { شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن } والأحاديث التى أوردها بعضهم فى أن المراد بها ليلة النصف من شعبان ، أحاديث مرسلة أو ضعيفة ، أو لا أساس لها . . فثبت أن المراد بها ليلة القدر .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } استئناف مبين لمقتضى الإِنزال . .
والإِنذار : إخبار فيه تخويف وترهيب ، كما أن التبشير إخبار فيه تأمين وترغيب .
أى : أنزلنا هذا القرآن فى تلك الليلة المباركة ، أوا بتدأنا إنزاله فيها ، لن من شأنا أن نخوف بكتبنا ووحينا ، حتى لا يقع الناس فى أمر نهيانهم عن الوقوع فيه .
وقوله : إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكةٍ أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب ، أنه أنزله في ليلة مباركة .
واختلف أهل التأويل في تلك الليلة ، أيّ ليلة من ليالي السنة هي ؟ فقال بعضهم : هي ليلة القدر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُباركَةٍ : ليلة القدر ، ونزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، ونزلت التوراة لستّ ليال مضت من رمضان ، ونزل الزّبور لستّ عشرة مضت من رمضان ، ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان ، ونزل الفُرقان لأربع وعشرين مضت من رمضان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قال : هي ليلة القدر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله عزّ وجل : إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِيْنَ قال : تلك الليلة ليلة القدر ، أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر ، ثم أنزله على الأنبياء في الليالي والأيام ، وفي غير ليلة القدر .
وقال آخرون : بل هي ليلة النصف من شعبان .
والصواب من القول في ذلك قول من قال : عنى بها ليلة القدر ، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى : إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ خَلْقنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم ، فلم ينب إلى توحيدنا ، وإفراد الألوهة لنا .
والجواب قوله : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } ليلة القدر ، أو البراءة ابتدئ فيها إنزاله ، أو أنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ، ثم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم نجوما وبركتها لذلك ، فإن نزول القرآن سبب للمنافع الدينية والدنيوية ، أو لما فيها من نزول الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وقسم النعمة وفصل الأقضية . { إنا كنا منذرين } استئناف يبين المقتضى للإنزال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.