التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

وقوله : { مِنَ الجنة والناس } زيادة بيان للذي يوسوس فى صدور الناس ، وأن الوسوسة بالسوء تأتي من نوعين من المخلوقات : تأتي من الشياطين المعبر عنهم بالجِنّةِ . . وتأتي من الناس .

وقدم - سبحانه - الجِنَّة على الناس ؛ لأنهم هم أصل الوسواس ؛ إذ إنهم مختفون عنا ، ولا نراهم ، كما قال - تعالى - : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } فلفظ الجِنَّة - بكسر الجيم - مأخوذ من الجَنِّ - بفتح الجيم - على معنى الخفاء والاستتار .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - أعوذ وأعتصم وأستجير ، برب الناس ، ومالكهم ومعبودهم الحق ، من شر الشيطان الموسوس بالشر ، والذي يخنس ويتأخر ويندحر ، إذا ما تيقظ له الإِنسان ، واستعان عليه بذكر الله - تعالى - .

والذي من صفاته - أيضا - أنه يوسوس فى صدور الناس بالسوء والفحشاء ، حيث يلقى فيها خفية ، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد .

وهذا الوسواس الخناس ، قد يكون من الجن ، وقد يكون من الإِنس ، فعليك - أيها الرسول الكريم - أن تستعيذ بالله - تعالى - من شر النوعين جميعا .

قال - تعالى - : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً . . . } قال قتادة : إن من الجن شياطين ، وإن من الإِنس شيطاطين ، فنعوذ بالله من شياطين الإِنس والجن .

وقال الإِمام ابن كثير : هذه ثلاث صفات من صفات الله - عز وجل - : الربوبية ، والملك ، والألوهية .

فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه ، فجميع الأشياء مخلوقة له . . فأمر سبحانه المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات ، من شر الوسواس الخناس ، وهو الشيطان الموكل بالإِنسان ، فإنه ما من أحد من بنى آدم ، إلا وله قرين يزين له الفواحش . . والمعصوم من عمصه الله .

ختام السورة:

وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه " قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، إلا أن الله - تعالى - أعاننى عليه فأسلم ، فلا يأمرنى إلا بخير " " .

ومن الأحاديث التى وردت فى فضل هذه السور الثلاث : الإِخلاص والمعوذتين ، ما أخرجه البخارى عن عائشة - رضى الله عنها - " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ثم ينفث فيهما ، فيقرأ هذه السور ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، ويبدأ بها على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

{ من الجنة والناس } بيان ل الوسواس أو الذي أو متعلق ب يوسوس أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنة والناس وقيل بيان ل الناس على أن المراد به ما يعم الثقلين وفيه تعسف إلا أن يراد به الناسي كقوله تعالى يوم يدع الداع فإن نسيان حق الله تعالى يعم الثقلين .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ المعوذتين فكأنما قرا الكتب التي أنزلها الله تبارك وتعالى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ} (6)

وقد اندرج هذان المعنيان من الوسواس في قوله تعالى : { من الجنة والناس } أي من الشياطين ونفس الإنسان ، ويظهر أيضاً أن يكون قوله : { والناس } ، يراد به من يوسوس بخدعه من البشر ، ويدعو إلى الباطل ، فهو في ذلك كالشيطان . وكلهم قرأ { الناس } غير ممالة ، وروى الدوري عن الكسائي أنه أمال النون من { الناس } في حال الخفض ، ولا يميل في الرفع والنصب .

وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ونفث فهيما وقرأ : { قل هو الله أحد } [ الإخلاص : 1 ] والمعوذتين ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ، فيبدأ برأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، ففعل ذلك ثلاثاً{[12050]} .

وقال قتادة رحمه الله : إن من الناس شياطين ، ومن الجن شياطين ، فتعوذوا بالله من شياطين الإنس والجن .


[12050]:أخرجه البخاري في (فضائل القرآن) وأبو داود في (الأدب)، والترمذي في (الدعاء)، وأحمد في مسنده (6/116)، عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها.