97- قال موسى للسامري : اخرج من جماعتنا ، وابعد عنا ، وإن جزاءك في الدنيا أن تهيم علي وجهك ، وينفر الناس منك ، حتى لا تكون بينك وبينهم صلة ، فلا يقربك أحد ، ولا تقترب أنت من أحد ، وإن لعذابك في الآخرة موعداً محدداً لا تستطيع الفرار منه ، وندد موسى به وبإلهه قائلا : انظر الآن ماذا نصنع بإلهك الذي عكفت علي عبادته ، وفتنت الناس به ، لنحرقنه ثم لنذروه في البحر ذروا .
و قوله - سبحانه - : { قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } حكاية لما قاله موسى - عليه السلام - للسامرى .
والمساس : مصدر ماسّ - بالتشديد - كقتال من قاتل ، وهو منفى بلا التى لنفى الجنس .
والمعنى : قال موسى للسامرى : ما دمت قد فعلت ذلك فاذهب ، فإن لك فى مدة حياتك ، أن تعاقب بالنبذ من الناس ، وأن تقول لهم إذا ما اقترب أحد منك : { لاَ مِسَاسَ } أى لا أمَسُّ أحدا ولا يَمسُّنى أحد ، ولا أخالط أحداً ولا يخالطنى أحد .
قال صاحب الكشاف : عوقب فى الدنيا بعقوبة لا شىء أطم منها وأوحش وذلك أنه مُنِع من مخالطة الناس منعا كليا ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمه ومبايعته ومواجهته ، وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا . وإذا اتفق أن يماس أحدا - رجلا أو امرأة - حم الماس والممسوس - أى أصيبا بمرض الحمى - فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح : لا مساس . وعادى فى الناس أوحش من القاتل اللاجىء إلى الحرم ، ومن الوحش النافر فى البرية . . .
وقال الآلوسى ما ملخصه : والسر فى عقوبته على جنايته بما ذكر . أنه ضد ما قصده من إظهار ذلك ليجتمع عليه الناس ويعززوه ، فكان ما فعله سببا لبعدهم عنه وتحقيره . وقيل : عوقب بذلك ليكون الجزاء من جنس العمل ، حيث نبذ فنبذ ، فإن ذلك التحامى عنه أشبه شىء بالنبذ . . .
قالوا : وهذه الآية الكريمة أصلى فى نفى أهل البدع والمعاصى وهجرانهم وعدم مخالطتهم .
ثم بين - سبحانه - عقوبة السامرى فى الآخرة ، بعد بيان عقوبته فى الدنيا فقال : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ } .
وقوله : { تُخْلَفَهُ } قرأها الجمهور بضم التاء وفتح اللام . أى : وإن لك موعدا فى الآخرة لن يخلفك الله - تعالى - إياه . بل سينجزه لك ، فيعاقبك يومئذ العقاب الأليم الذى تستحقه بسبب ضلالك وإضلالك ، كما عاقبك فى الدنيا بعقوبة الطرد والنفور من الناس .
وقرأ ابن كثير وأبو عمر { لَّن تُخِلَفَهُ } بضم التاء وكسر اللام أى : وإن لك موعدا فى الآخرة لن تستطيع التخلف عنه ، أو المهرب منه ، بل ستأتيه وأنت صاغر . . .
ثم بين - سبحانه - أيضا - للسامرى : وانظر إلى معبودك العجل الذى أقمت على عبادته أنت وأتباعك فى غيبتى عنكم .
{ لَّنُحَرِّقَنَّهُ } بالنار أمام أعينكم ، والجملة جواب لقسم محذوف ، أى : والله لنحرقنه { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي اليم نَسْفاً } أى : لم لَنُذرِينَّه فى البحر تذرية ، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر .
يقال : نسف الطعام ينسفه نسفا ، إذا فرقه وذراه بحيث لا يبقى منه شىء .
وقد نفذ موسى - عليه السلام - ذلك حتى يظهر للأغبياء الجاهلين الذين عبدوا العجل ، أنه لا يستحق ذلك . وإنما يستحق الذبح والتذرية ، وأن عبادتهم له إنما هى دليل واضح على انطماس بصائرهم ، وشدة جهلهم .
{ قال فاذهب فإن لك في الحياة } عقوبة على ما فعلت . { أن تقول لا مساس } خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى ومن مسك فتتحامى الناس ويتحاموك وتكون طريدا وحيدا كالوحش النافر ، وقرئ { لا مساس } كفجار وهو علم للمسة . { وإن لك موعدا } في الآخرة . { لن تخلفه } لن يخلفكه الله وينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا ، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه وسيأتيك لا محالة ، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد ويجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا ، وقرئ بالنون على حكاية قول الله . { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا } ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا ، وقرئ بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها لنحرقنه أي بالنار ويؤيده قراءة { لنحرقنه } أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد ويعضده قراءة { لنحرقنه } . { ثم لننسفنه } ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا وقرىء بضم السين . { في اليم نسفا } فلا يصادف منه شيء والمقصود من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.