الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا} (97)

عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش ، وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعاً كلياً ، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومبايعته ومواجهته وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضاً ، وإذا اتفق أن يماس أحداً رجلاً أو امرأة ، حم الماس والممسوس ، فتحامى الناس وتحاموه ، وكان يصيح : لا مساس ، وعاد في الناس أوحش من القاتل اللاجىء إلى الحرم ، ومن الوحشي النافر في البرية . ويقال : إن قومه باق فيهم ذلك إلى اليوم . وقرىء : { لاَ مِسَاسَ } بوزن فجار . ونحوه قولهم في الظباء . إذا وردت الماء فلا عباب ، وإن فقدته فلا أباب : وهي أعلام للمسة والعبة والأبة ، وهي المرة من الأب وهو الطلب { لَّن تُخْلَفَهُ } أي لن يخلفك الله موعده الذي وعدك على الشرك والفساد في الأرض ، ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك بذلك في الدنيا ، فأنت ممن خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين . وقرىء : «لن تخلفه » وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفاً قال الأعشى :

أثْوَى وَأقْصَرَ لَيْلَهُ لِيُزَوَّدَا *** فَمَضى وَأخْلَفَ مِنْ قَتِيلَةَ مَوْعِداً

وعن ابن مسعود «نخلفه » بالنون ، أي : لن يخلفه الله ، كأنه حكى قوله عز وجل كما مر في { لاِ هَبَ لَكِ } [ مريم : 19 ] . { ظَلْتَ } وظلت ، وظللت والأصل ظللت ، فحذفوا اللام الأولى ونقلوا حركتها إلى الظاء ، ومنهم من لم ينقل { لَّنُحَرّقَنَّهُ } ولنحرقنه ولنحرقنه . وفي حرف ابن مسعود «لنذبحنه » ، و«لنحرقنه » و«لنحرقنه » القراءتان من الإحراق . وذكر أبو علي الفارسي في لنحرِّقنه أنه يجوز أن يكون حرّق مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد . وعليه القراءة الثالثة ، وهي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه { لَنَنسِفَنَّهُ } بكسر السين وضمها ، وهذه عقوبة ثالثة وهي إبطال ما افتتن به وفتن ، وإهدار سعيه ، وهدم مكره { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين } [ آل عمران : 54 ] .