الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا} (97)

وجعل له أنْ يقول مدة حياته : { لاَ مِسَاسَ } [ طه : 97 ] .

أي : لا مُمَاسَّة ، ولا إذاية . وقرأ الجمهور : «لَنْ تُخْلفَهُ » بفتح اللام ، أي : لن يقع فيه خلف ، وقرأ ابن كَثِير ، وأبُو عَمْرِو : «تخلِفه » بكسر اللام ، على معنى لن تستطيع الرَّوغَانَ ، والحيْدَةَ عن موعد العذاب ، ثم وبَّخه عليه السلام بقوله : { وانظر إلى إلهك } الآية ، و{ ظَلْتَ } وظل معناه : أقام يفعل الشيء نهاراً ، ولكنها قد تُستعمل في الدائب ليلاً ونهاراً ، بمثابة طَفِقَ .

وقرأ ابن عباس وغيرُه : «لَنَحْرُقَنَّهُ » بضم الراء وفتح النون بمعنى لنبردنه بالمبرد ، وقرأ نافعٌ وغيره : «لَنُحَرِّقَنَّهُ » وهي قراءةٌ تحتمل الحرق بالنار ، وتحتمل بالمبرد . وفي مصحف ابن مَسْعُود : «لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه » وهذه القراءةُ هي مع رواية من روى أن العِجْلَ صار لحماً ودماً ، وعلى هذه الرواية يتركب أن يكون هناك حرقٌ بنارٍ ، وإلاَّ فإذا كان جماداً مِنْ ذهب ونحوه ، فإنما هو حرق بمبرد ، اللَّهم إلاَّ أَن تكون إذابة ، ويكون النسف مُسْتعاراً ، لتفريقه في اليمِّ مذاباً .

وقرأت فِرْقَةٌ : «لَنَنْسِفَنَّهُ » بكسر السين ، وقرأت فرقةٌ بضمها ، والنَّسْفُ : تفريقُ الريح الغبار ، وكل ما هو مثله كتفريق الغربال ونحوه ، فهو نَسْفٌ ، و{ اليم } : غمرُ الماءِ من بحرٍ أو نَهْرٍ ، وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يَمٌّ ، واللام في قوله { لَنُحَرِّقََنَّهُ } لام قسم ، وقال مكي ( رحمه اللّه تعالى ) : وأسند أن موسى عليه السلام كان مع السبعين في المُنَاجَات ، وحينئذٍ وقع أمر العجل ، وأن اللّه تعالى أعلم موسى بذلك ، فكتمه موسى عنهم ، وجاء بهم حتى سمعوا لَغَطَ بني إسرائيل حول العجل ، فحينَئذٍ أعلمهم .

قال ( ع ) : وهذه رواية ضعيفةٌ ، والجمهورُ على خلافها ، وإنما تعجل موسى عليه السلام وحدَهُ فوقع أمر العجل ، ثم جاء موسى ، وصنع ما صنع بالعجل ، ثم خرج بعد ذلك بالسَّبْعِين على معنى الشفاعة في ذَنْب بني إسرائيل ، وأن يطلعهم أيضاً على أمر المناجات ، فكان لموسى عليه السلام نهضتان ، واللّه أعلم .