التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

لما كان الأمر كذلك ، وصف - سبحانه - هؤلاء المكذبين بالبعث والجزاء بأوصاف أخرى ، فقال : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ . الذين هُمْ يُرَآءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الماعون } .والفاء في قوله : { فَوَيْلٌ } للتفريع والتسبب ، والويل : الدعاء بالهلاك والعذاب الشديد .

وهو مبتدأ ، وقوله { لِّلْمُصَلِّينَ } خبره ، والمراد بالسهو هنا : الغفلة والترك وعدم المبالاة .

أى : فهلاك شديد ، وعذاب عظيم ، لمن جمع هذه الصفات الثلاث ، بعد تكذيبه بيوم الدين ، وقسوته على اليتيم ، وامتناعه عن إطعام المسكين .

وهذه الصفات الثلاث أولها : الترك للصلاة ، وعدم المبالاة بها ، والإِخلال بشروطها وأركانها وسننها وآدابها .

وثانيها : أداؤها رياء وخداعا ، لا عن إخلاص وطاعة لله رب العالمين ، كما قال - تعالى - :

{ إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً }

وثالثها : منع الماعون : أي منع الخير والمعروف والبر عن الناس . فالمراد بمنع الماعون : مع كل فضل وخير عن سواهم . فلفظ " الماعون " أصله " معونة " ، والألف عوض من الهاء . والعون : هو مساعدة الغير على بلوغ حاجته . . فالمراد بالماعون : ما يستعان به على قضاء الحوائج ، من إناء ، أو فأس ، أو نار ، أو ما يشبه ذلك .

ومنهم من يرى أن المراد بالماعون هنا : الزكاة ؛ لأنه جرت عادة القرآن الكريم أن يذكر الزكاة بعد الصلاة .

قال الإِمام ابن كثير : قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } أى : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه ، حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ، ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم ، فهؤلاء لمنع الزكاة ومنع القربات أولى وأولى . .

وسئل ابن مسعود عن الماعون فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقِدْر . .

وهكذا نرى السورة الكريمة قد ذمت المكذبين بيوم الدين ذما شديدا ، حيث وصفتهم بأقبح الصفات وأشنعها .

نسأل الله - تعالى - أن يعيذنا من ذلك .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

وقوله : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } أي : لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم . فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى . وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : قال علي : الماعون : الزكاة . وكذا رواه السدي ، عن أبي صالح ، عن علي . وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر . وبه يقول محمد بن الحنفية ، وسعيد بن جبير ، وعِكْرِمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وعطية العوفي ، والزهري ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد .

وقال الحسن البصري : إن صلى راءى ، وإن فاتته لم يأس عليها ، ويمنع زكاة ماله . وفي لفظ : صدقة ماله .

وقال زيد بن أسلم : هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها ، وضَمنَت الزكاة فمنعوها .

وقال الأعمش وشعبة ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار : أن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون ، فقال : هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس ، والقدر ، [ والدلو ] . {[30580]}

[ وقال المسعودي ، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن أبي العُبَيدين : أنه سُئِل ابنُ مسعود عن الماعون ، فقال : هو ما يتعاطاه الناس بينهم ، من الفأس والقدر ]{[30581]} والدلو ، وأشباه ذلك .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي العُبَيدين وسعد بن عياض ، عن عبد الله قال : كنا أصحاب رسول الله{[30582]} صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الماعون الدلو ، والفأس ، والقدر ، لا يستغنى عنهن .

وحدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شُمَيْل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله . {[30583]}

وقال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله أنه سئل عن الماعون ، فقال : ما يتعاوره الناس بينهم : الفأس والدلو وشبهه .

وقال ابن جرير : حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا أبو عَوانَة ، عن عاصم بن بَهْدَلة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول : الماعون : منع الدلو وأشباه ذلك . {[30584]}

وقد رواه أبو داود والنسائي ، عن قتيبة ، عن أبي عوانة بإسناده ، نحوه ، {[30585]} ولفظ النسائي عن عبد الله قال : كل معروف صدقة ، وكنا{[30586]} نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة : الدلو والقدر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال : الماعون : العَواري : القدر ، والميزان ، والدلو .

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } يعني : متاع البيت . وكذا قال مجاهد ، وإبراهيم النَّخعي ، وسعيد بن جبير ، وأبو مالك ، وغير واحد : إنها العاريَّة للأمتعة .

وقال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد{[30587]} عن ابن عباس : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قال : لم يجئ أهلها بعد .

وقال العوفي عن ابن عباس : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قال : اختلف الناس في ذلك ، فمنهم من قال : يمنعون الزكاة . ومنهم من قال : يمنعون الطاعة . ومنهم من قال : يمنعون العارية ، رواه ابن جرير . ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن عُلَيَة ، عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي : الماعون : منع الناس الفأس ، والقدر ، والدلو .

وقال عكرمة : رأس الماعون زكاة المال ، وأدناه المنخل والدلو ، والإبرة . رواه ابن أبى حاتم .

وهذا الذي قاله عكرمة حسن ؛ فإنه يشمل الأقوال كلها ، وترجع كلها إلى شيء واحد . وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة . ولهذا قال محمد بن كعب : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قال : المعروف . ولهذا جاء في الحديث : " كل معروف صدقة " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري : { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } قال : بلسان قريش : المال .

وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال :

حدثنا أبي ، وأبو زُرْعَة قالا : حدثنا قيس بن حفص الدارمي ، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي ، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري ، حدثني قرة بن دعموص النميري : أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، ما تعهد إلينا ؟ قال : " لا تمنعون الماعون " . قالوا : يا رسول الله ، وما الماعون ؟ قال : " في الحَجَر ، وفي الحديدة ، وفي الماء " . قالوا : فأي حديدة ؟ قال : " قدوركم النحاس ، وحديد الفأس الذي تمتهنون به " . قالوا : وما الحجر ؟ قال : " قدوركم الحجارة " {[30588]} .

غريب جدا ، ورفعه منكر ، وفي إسناده من لا يعرف ، والله أعلم .

وقد ذكر ابنُ الأثير في الصحابة ترجمة " علي النميري " ، فقال : روى ابن قانع بسنده إلى عائذ بن ربيعة بن قيس النميري ، عن علي بن فلان النميري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المسلم أخو المسلم . إذا لقيه حَيَّاه بالسلام ، ويرد عليه ما هو خير منه ، لا يمنع الماعون " . قلت : يا رسول الله ، ما الماعون ؟ قال : " الحَجَر ، والحديد ، وأشباه ذلك " . {[30589]}

آخر تفسير سورة " الماعون " .


[30580]:- (1) زيادة من م، أ.
[30581]:- (2) زيادة من م، أ.
[30582]:- (3) في م: "كنا أصحاب محمد".
[30583]:- (4) تفسير الطبري (30/205).
[30584]:- (5) تفسير الطبري (30 /206).
[30585]:- (6) سنن أبي داود برقم (1657)، وسنن النسائي الكبرى برقم (11701).
[30586]:- (7) في م: "وكنا".
[30587]:- (8) في م: "ومجاهد".
[30588]:- (1) ورواه ابن مردويه أيضا، كما في الدر المنثور (644).
[30589]:- (2) أسد الغابة (3/624).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ} (7)

وقوله تعالى : { ويمنعون الماعون } وصف لهم بقلة النفع لعباد الله ، وتلك َشُّر خلة{[12000]} ، وقال علي بن أبي طالب وابن عمر : { الماعون } ، الزكاة ، وقال الراعي : [ الكامل ]

قوم على الإسلام لما يمنعوا . . . ماعونهم ويضيعوا التهليلا{[12001]}

وقال ابن مسعود : هو ما يتعاطاه الناس بينهم كالفأس والدلو والآنية والمقص ونحوه ، وقاله الحسن وقتادة وابن الحنفية وابن زيد والضحاك وابن عباس ، وقال ابن المسيب : { الماعون } بلغة قريش : المال ، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم : ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : «الماء والنار والملح » روته عائشة رضي الله عنها ، وفي بعض الطرق زيادة ( والإبرة والخمير ){[12002]} ، وحكى الفراء عن بعض العرب أن { الماعون } الماء : وقال ابن مسعود : كنا نعد { الماعون } على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية القدر والدلو ونحوها .


[12000]:الخلة: الصفة أو الخصلة.
[12001]:هذا واحد من أبيات قالها عبيد بن حصين الراعي، وهي: أخليفة الإسلام إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله من أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الإسلام لما يمنعوا ماعونهم ويضيعوا التهليلا والبيت الأخير في اللسان، والرواية فيه: "قوم على التنزيل"، و"يبدلوا التنزيلا" وفي التهذيب: "ويبدلوا تبديلا". والبيت شاهد على أن الماعون هو الزكاة، قال صاحب اللسان: "وعليه العمل، وهو من السهولة والقلة لأنها جزء من كل".
[12002]:خرجه ابن ماجه في سننه، وفي إسناده لين، وذكره الثعلبي في تفسيره، ولفظه أن عائشة رضوان الله عليها قالت: قلت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: (الماء والنار والملح) قلت: يا رسول الله، هذا الماء، فما بال النار والملح؟ فقال: (يا عائشة من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما طبخ بتلك النار، ومن أعطى ملحا فكأنما تصدق بجميع ما طيب به ذلك الملح، ومن سقى شربة من الماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق ستين نسمة، ومن سقى شربة من الماء حيث لا يوجد فكأنما أحيا نفسا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).