المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

11- وأن الله سبحانه هو الذي يحفظكم ، فكل واحد من الناس له ملائكة تحفظه بأمر الله وتتناوب علي حفظه من أمامه ومن خلفه ، وأن الله سبحانه لا يغير حال قوم من شدة إلي رخاء ، ومن قوة إلي ضعف ، حتى يغيروا ما بأنفسهم بما يتناسب مع الحال التي يصيرون إليها ، وإذا أراد الله أن ينزل بقوم ما يسوؤهم فليس لهم ناصر يحميهم من أمره ، ولا من يتولي أمورهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

ثم بين - سبحانه - بعض مظاهر رعايته لعباده فقال - تعالى - { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله إِنَّ اللَّهَ . . . } .

والضمير في { له } يعود إلى { من } في قوله { مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل } باعتبار تأويله بالمذكور .

و " معقبات " صفة لموصوف محذوف أى : ملائكة معقبات .

قال الشوكانى : " والمعقبات المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلا منه . وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين . قال الزجاج : المعقبات ملائكة يأتى بعضهم بعقب بعض ، وإنما قال " معقبات " مع كون الملائكة ذكوراً ؛ لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة ، ثم جمع معقبة على معقبات .

قال الجوهرى : والتعقيب العود بعد البدء قال الله - تعالى - { ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } يقال : عقب الفرس في عدوه ، أى : جرى بعد جريه . وعقبه تعقيبا . أى : جاء عقبة و " من " في قوله { مِنْ أَمْرِ الله } بمعنى باء السببية .

والمعنى : لكل واحد من هؤلاء المذكورين ممن يسرون القول أو يجهرون به ، ملائكة يتعاقبون عليه بالليل والنهار ويحيطون به من جميع جوانبه لحفظه ورعايته ، ولكتابة أقواله وأعماله ، وهذا التعقيب والحفظ ، إنما هو بسبب أمر الله - تعالى - لهم بذلك .

قال ابن كثير : وفى الحديث الصحيح : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم - سبحانه - وهو أعلم بهم : كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون " .

وفى الحديث الآخر : " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع ، فاستحويهم وأكرموهم " أى : فاستحيوا منهم وأكرموهم بالتستر وغيره .

وقال عكرمة عن ابن عباس " يحفظونه من أمر الله ، قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه " .

ثم ساق - سبحانه - سنة من سننه التي لا تتخلف فقال : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } .

أى : إن الله - تعالى - قد اقتضت سنته ، أنه - سبحانه - لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وخير بضده ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة إلى معصية ؛ ومن جميل إلى قبيح ، ومن صلاح إلى فساد .

وإذا أراد - سبحانه - بقوم سوءا من عذاب أو هلاك ما يشبهها بسبب إيثارهم الغى على الرشد ، فلا راد لقضائه ، ولا دافع لعذابه .

وما لهم من دونه - سبحانه - من وال أى من ناصر ينصرهم منه - سبحانه - ويرفع عنهم عقابه ، ويلى أمورهم ويلتجئون إليه عند الشدائد .

فالجملة الكريمة بيان لمظهر من مظاهر عدل الله في شئون عباده ، وتحذير شديد لهم من الإِصرار على الشرك والمعاصى وجحود النعمة ، فإنه - سبحانه - لا يعصم الناس من عذابه عاصم . ولا يدفعه دافع .

قال الإِمام ابن كثير : " قال ابن أبى حاتم : أوحى الله إلى نبى من أنبياء بنى إسرائيل أن قل لقومك إنه ليس من أهل قرية ، ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله ، فيتحولون منها إلى معصية الله ، إلا تحول الله لهم لهم مما يحبون إلى ما يكرهون .

ثم قال : إن مصداق ذلك في كتاب الله { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } .

وعن عمير بن عبد الملك قال : خطبنا على بن أبى طالب على منبر الكوفة فقال : كنت إذا سكت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابتدأنى ، وإذا سألته عن الخبر أنبأنى ، وإنه حدثنى عن ربه - عز وجل - قال : " قال الرب : وعزتى وجلالى وارتفاعى فوق عرشى ، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهت من معصيتى ، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتى ، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابى إلى ما يحبون من رحمتى " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

( له معقبات من بين يديه ومن خلفه - يحفظونه - من أمر الله ) . .

والحفظة التي تتعقب كل إنسان ، وتحفظ كل شاردة وكل واردة وكل خاطرة وكل خالجة ، والتي هي من أمر الله ، لا يتعرض لها السياق هنا بوصف ولا تعريف . أكثر من أنها . ( من أمر الله ) . . فلا نتعرض نحن لها : ما هي ? وما صفاتها ? وكيف تتعقب ? وأين تكون ? ولا نذهب بجو الخفاء والرهبة والتعقب الذي يسبغه السياق . فذلك هو المقصود هنا ؛ وقد جاء التعبير بقدره ؛ ولم يجيء هكذا جزافا ؛ وكل من له ذوق بأجواء التعبير يشفق من أن يشوه هذا الجو الغامض بالكشف والتفصيل !

( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) . .

فهو يتعقبهم بالحفظة من أمره لمراقبة ما يحدثونه من تغيير بأنفسهم وأحوالهم فيرتب عليه الله تصرفه بهم . فإنه لا يغير نعمة أو بؤسى ، ولا يغير عزا أو ذلة ، ولا يغير مكانة أو مهانة . . . إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم ، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم . وإن كان الله يعلم ما سيكون منهم قبل أن يكون . ولكن ما يقع عليهم يترتب على ما يكون منهم ، ويجيء لاحقا له في الزمان بالقياس إليهم .

وإنها لحقيقة تلقي على البشر تبعة ثقيلة ؛ فقد قضت مشيئة الله وجرت بها سنته ، أن تترتب مشيئة الله بالبشر على تصرف هؤلاء البشر ؛ وأن تنفذ فيهم سنته بناء على تعرضهم لهذه السنة بسلوكهم . والنص صريح في هذا لا يحتمل التأويل . وهو يحمل كذلك - إلى جانب التبعة - دليل التكريم لهذا المخلوق الذي اقتضت مشيئة الله ، أن يكون هو بعمله أداة التنفيذ لمشيئة الله فيه .

وبعد تقرير المبدأ يبرز السياق حالة تغيير الله ما بقوم إلى السوء ؛ لأنهم - حسب المفهوم من الآية - غيروا ما بأنفسهم إلى أسوء فأراد لهم الله السوء :

( وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) . .

يبرز السياق هذا الجانب هنا دون الجانب الآخر لأنه في معرض الذين يستعجلون بالسيئة قبل الحسنة . وقد قدم لهم هناك المغفرة على العذاب ليبرز غفلتهم ، وهو هنا يبرز العاقبة السوأى وحدها لإنذارهم حيث لا يرد عذاب الله عنهم - إذا استحقوه بما في أنفسهم - ولا يعصمهم منه وال يناصرهم . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٞ مِّنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦ يَحۡفَظُونَهُۥ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ} (11)

اختلف المتأولون في غير عود الضمير من { له } : فقالت فرقة : هو عائد على اسم الله عز وجل المتقدم ذكره ، و «المعقبات » - على هذا الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم ، والحفظة لهم أيضاً - قاله الحسن ، وروى فيه عثمان بن عفان حديثاً{[6921]} عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول مجاهد والنخعي - والضمير على هذا في قوله : { يديه } وما بعده من الضمائر عائد على العبد المذكور في قوله : { من هو مستخف } [ الرعد : 10 ] و { من أمر الله } يحتمل أن يكون صفة ل { معقبات } ويحتمل أن يكون المعنى : يحفظونه من كل ما جرى القدر باندفاعه ، فإذا جاء المقدور الواقع أسلم المرء إليه .

وقال ابن عباس أيضاً{[6922]} : الضمير في { له } عائد على المذكور في قوله { من هو مستخف بالليل } [ الرعد : 10 ] وكذلك باقي الضمائر التي في الآية ، قالوا{[6923]} : و { معقبات } - على هذا - حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه{[6924]} ، قالوا : والآية - على هذا - في الرؤساء الكافرين ، واختار هذا القول الطبري ، وهو قول عكرمة وجماعة ، قال عكرمة : هي المواكب خلفه وأمامه .

قال القاضي أبو محمد : ويصح على التأويل الأول الذي قبل هذا أن يكون الضمير في { له } للعبد المؤمن على معنى جعل الله له .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل عندي أقوى{[6925]} ، لأن غرض الآية إنما هو التنبيه على قدرة الله تعالى ، فذكر استواء { من هو مستخف } [ الرعد : 10 ] ومن هو { سارب } [ الرعد : 10 ] وأن { له معقبات } من الله تحفظه في كل حال ، ثم ذكر أن الله تعالى لا يغير هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يغير ما بنفسه .

قال القاضي أبو محمد : وعلى كلا التأويلين ليست الضمائر لمعين من البشر .

وقال عبد الرحمن بن زيد : الآية في النبي عليه السلام ، ونزلت في حفظ الله له من أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل في القصة التي ستأتي بعد هذا في ذكر الصواعق .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وإن كانت بألفاظها تنطبق على معنى القصة فيضعف القول : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتقدم له ذكر فيعود الضمير في { له } عليه .

و «المعقبات » : الجماعات التي يعقب بعضها بعضاً ، فعلى التأويل الأول هي الملائكة ، وينظر هذا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة المغرب والصبح »{[6926]} ، وعلى التأويل الثاني : هي الحرس والوزعة الذين للملوك .

و { معقبات } جمع معقبة وهي الجماعة التي تأتي بعد الأخرى ، والتعقيب - بالجملة - أن تكون حال تعقبها حال أخرى من نوعها ، وقد تكون من غير النوع ، ومنه معاقبة الركوب ومعاقبة الجاني ومعقب عقبة القدر والمعاقبة في الأزواج ، ومنه قول سلامة بن جندل : [ البسيط ]

وكرّنا الخيل في آثارهم رجعاً***كسر السنابك من بدء وتعقيب{[6927]}

وقرأ عبيد الله بن زياد على المنبر : «له معاقيب » قال أبو الفتح : هو تكسير معقب .

قال القاضي أبو محمد : بسكون العين وكسر القاف كمطعم ومطاعيم ، ومقدم ومقاديم .

وهي قراءة أبي البرهسم - فكأن معقباً جمع على معاقبة ثم جعلت الياء في معاقيب عوضاً من الهاء المحذوفة في معاقبة ، والمعقبة ليست جمع معقب - كما ذكر ذلك الطبري وشبه ذلك برجل ورجال ورجالات ، وليس الأمر كما ذكر لأن تلك كجمل وجمالات ، ومعقبة ومعقبات إنما هي كضاربة وضاربات{[6928]} .

وفي قراءة أبيّ بن كعب «من بين يديه ورقيب من خلفه » ، وقرأ ابن عباس : «ورقباء من خلفه » ، وذكر عنه أبو حاتم أنه قرأ : «معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله » .

وقوله : { يحفظونه } يحتمل معنيين :

أحدهما : أن يكون بمعنى يحرسونه ، ويذبون عنه : فالضمير محمول ليحفظ .

والمعنى الثاني أن يكون بمعنى حفظ الأقوال وتحصيلها ، ففي اللفظة حينئذ حذف مضاف تقديره : يحفظون أعماله ، ويكون هذا حينئذ من باب { واسأل القرية }{[6929]} [ يوسف : 82 ] وهذا قول ابن جريج .

وقوله : { من أمر الله } من جعل { يحفظونه } بمعنى يحرسونه كان معنى قوله : { من أمر الله } يراد به «المعقبات » ، فيكون في الآية تقديم وتأخير ، أي «له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه » قال أبو الفتح : ف { من أمر الله } في موضع رفع لأنه صفة لمرفوع وهي «المعقبات » .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل هذا التأويل في قوله : { من أمر الله } مع التأويل الأول في { يحفظونه } .

ومن تأول الضمير في { له } عائد على العبد ، وجعل «المعقبات » الحرس ، وجعل الآية في رؤساء الكافرين - جعل قوله { من أمر الله } بمعنى يحفظونه بزعمه من قدر الله ، ويدفعونه في ظنه ، عنه ، ذلك لجهالته بالله تعالى .

قال القاضي أبو محمد : وبهذا التأويل جعلها المتأول في الكافرين . قال أبو الفتح : ف { من أمر الله } على هذا في موضع نصب ، كقولك حفظت زيداً من الأسد ، فمن الأسد معمول لحفظت وقال قتادة : معنى { من أمر الله } : بأمر الله ، أي يحفظونه مما أمر الله ، وهذا تحكم في التأويل ، وقال قوم : المعنى الحفظ من أمر الله ، وقد تقدم نحو هذا .

وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وعكرمة وجعفر بن محمد : «يحفظونه بأمر الله »{[6930]} .

ثم أخبر تعالى أنه لا يغير ما بقوم - بأن يعذبهم ويمتحنهم معاقباً - حتى يقع منهم تكسب للمعاصي وتغيير ما أمروا به من طاعة .

وهذا موضع تأمل لأنه يداخل هذا الخبر ما قررت الشريعة من أخذ العامة بذنوب الخاصة ، ومنه قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }{[6931]} [ الأنفال : 25 ] ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم - وقد قيل له : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ - قال : «نعم إذا كثر الخبث »{[6932]} إلى أشياء كثيرة من هذا .

فقوله تعالى في هذه الآية : { لا يغير ما بقوم حتى يغيروا } معناه حتى يقع تغيير إما منهم وإما من الناظر إليهم أو ممن هو منهم بسبب ، كما غير الله تعالى بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة ما بأنفسهم ، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة .

فليس معنى الآية أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير ، وثم أيضاً مصائب يريد الله بها أجر المصائب فتلك ليست تغييراً .

ثم أخبر تعالى أنه { إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له } ولا حفظ منه ، وهذا جرى في طريقة التنبيه على قدرة الله تعالى وإحاطته ، والسوء والخير بمنزلة واحدة في أنهما إذا أرادهما الله بعبد لم يردا ، لكنه خص السوء بالذكر ليكون في الآية تخويف ، واختلف القراء في - وال - فأماله بعضهم ولم يمله بعضهم ، والوالي الذي يلي أمر الإنسان كالولي هما من الولاية كعليم وعالم من العلم .


[6921]:الحديث رواه ابن جرير الطبري عن كنانة العدوي، قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله، أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ قال: ملك على يمينك على حسناتك، وهو أمير على الذي على الشمال، فإذا عملت حسنة كتبت عشرا، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أكتب؟ قال: لا، لعله يستغفر الله ويتوب، فإذا قال ثلاثا قال: نعم، اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين، ما أقل مراقبته لله، وأقل استحياءه منا، يقول الله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وملكان من بين يديك و من خلفك، يقول الله: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد، وملك قائم على فيك لا يدع الحية تدخل في فيك، وملكان على عينك، فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي، ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي، وإبليس بالنهار وولده بالليل).
[6922]:قال: (أيضا) لأن ابن عباس روى عنه القول الأول، ورويت عنه أقوال أخرى كثيرة.
[6923]:يريد أصحاب هذا القول، وقد أشار بعد ذلك إلى أن منهم عكرمة وجماعة.
[6924]:الجلاوزة: الشرطة، والمفرد: جلوز وجلواز (المعجم الوسيط).
[6925]:في بعض النسخ: "وغير هذا التأويل عندي أقوى".
[6926]:أخرجه البخاري في المواقيت والتوحيد، ومسلم في المساجد، والنسائي في الصلاة، و مالك في الموطـأ في السفر، وأحمد في مسنده (2 – 257، 312، 486). ولفظه كما في صحيح مسلم: (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون).
[6927]:قال سلامة بن جندان هذا البيت من قصيدة يرثي فيها شبابه، يفخر بنفسه وبقومه، ويذكر بعض المواقع ويعدد الأسلحة ويصف القتال، والرواية: "وكرنا خيلنا أدراجها ..."، والأدراج: الطرق، ويقال: رجع على أدراجه بمعنى: رجع إلى المواضع التي جاء منها، ومعنى:« ُكس السنابك» أن السنابك تحاتت وأكلتها الطريق لطولها، والسنابك جمع سنبك وهو مقدم الحافر، والتعقيب: الرجوع. والشاعر جاهلي مقل وإسمه: سلامة بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تميم، وهو من الفرسان المعدودين، وتتمثل في شعره خشونة الصحراء.
[6928]:قال أبو حيان في "البحر " "وينبغي أن يتأول كلام الطبري على أنه أراد بقوله: "جمع معقب" أنه أطلق من حيث الاستعمال على جمع "معقب" وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث "معقب"، وصار مثل "الواردة" للجماعة الذين يردون وإن كان أصله أن يطلق على مؤنث "وارد"، وتشبيه الطبري ذلك برجل ورجال ورجالات من حيث المعنى لا من حيث صناعة النحويين، فبين أن "معقبة" من حيث أريد به الجمع كرجال من حيث وضع للجمع، وأن "معقبات" من حيث استعمل جمعا " لمعقبة" المستعمل للجمع كرجالات الذي هو جمع رجال". (البحر المحيط 5ـ372).
[6929]:من الآية (82) من سورة (يوسف).
[6930]:تعليق ابن عطية على قول قتادة بأنه تحكم في التأويل علق عليه أبو حيان في "البحر" فقال: "وليس بتحكم وورود (من) للسبب ثابت من لسان العرب، تقول: كسوته من عري وعن عري، ويكون معنى (من) و معنى (الباء) سواء كأنه قيل: يحفظونه بأمر الله وبإذنه، فحفظهم إياه متسبب عن أمر الله لهم بذلك".
[6931]:من الآية (25) من سورة (الأنفال).
[6932]:أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه في الفتن، والإمام أحمد في مسنده (6ـ428) ، ومالك في الموطأ، ولفظه كما في صحيح مسلم: عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه وهو يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)، وعقد سفيان بيده عشرة ـ سفيان راوي الحديث ـ قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث)، وكلمة "الخبث" يمكن ضبطها بفتح الحاء والباء، ويمكن ضبطها بضم الحاء وسكون الباء ويكون معناها: الفسق والفجور.