30- قل - يا أيها النبي - للمؤمنين - محذراً لهم مما يوصل إلي الزنا ويعرض للتهم - : إنهم مأمورون ألا ينظروا إلي ما يحرم النظر إليه من عورات النساء ومواطن الزينة منهن ، وأن يصونوا فروجهم بسترها وبعدم الاتصال غير المشروع ، ذلك الأدب أكرم بهم وأطهر لهم وأبعد عن الوقوع في المعصية والتهم . إن الله عالم أتم العلم بجميع ما يعملون ومجازيهم على ذلك .
وبعد أن نهى - سبحانه - عن دخول البيوت بدون استئذان . أتبع ذلك بالأمر بغض البصر ، وحفظ الفرج ، وعدم إبداء الزينة إلى فى الحدود المشروعة ، فقال - تعالى - : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ . . . } .
قال الآلوسى : قوله - تعالى - { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ . . . } شروع فى بيان أحكام كلية شاملة للمؤمنين كافة ، يندرج فيها حكم المستأذنين عند دخول البيوت اندراجا أوليا .
وقوله - تعالى - : { يَغُضُّواْ } من الغض بمعنى الخفض . يقال : غض الرجل صوته إذا خفضه . وغض بصره إذا خفضه ومنعه من التطلع إلى مالا يحل له النظر إليه . قال الشاعر :
وأغض طرفى إن بدت لى جارتى . . . حتى يوارى جارتى مأواها
وهو جواب الأمر " قل " أى : قل - أيها الرسول الكريم - للمؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم عما يحرم أو يكره النظر إليه وبأن يحفظوا فروجهم عما لا يحل لهم ، فإن ذلك دليل على كمال الإيمان ! وعلى حسن المراقبة وشدة الخوف من الله - تعالى - .
وجمع - سبحانه - بين غض البصر وحفظ الفرج ، باعتبارهما كالسبب والنتيجة ، إذ أن عدم غض البصر كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع فى الفواحش ، ولذا قدم - سبحانه - الأمر بغض البصر ، على الأمر بحفظ الفرج .
وجاء التعبير بقوله - سبحانه - { قُلْ } للإشعار بأن المؤمنين الصادقين ، من شأنهم إذا ما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر ، فإنهم سرعان ما يمتثلون ويطيعون ، لأنه صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله - تعالى - الذى يجب الامتثال لأمره ونهيه .
وخص - سبحانه - المؤمنين بهذا الأمر ، لأنهم أولى الناس بالمخاطبة . وبالإرشاد إلى ما يرفع درجاتهم ، ويعلى أقدارهم .
قال صاحب الكشاف : و " من " للتبعيض . . . فإن قلت : كيف دخلت فى غض البصر ، دون حفظ الفروج ؟ قلت : للدلالة على أن أمر النظر أوسع ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن . . . والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها . . . وأما أمر الفرج فمضيق .
واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { ذلك أزكى لَهُمْ } يعود إلى ما ذكر من الغض والحفظ .
أى : ذلك الذى كلفناك بأمر المؤمنين به - أيها الرسول الكريم - أزكى لقلوبهم ، وأطهر لنفوسهم ، وأنفع لهم فى دنياهم وآخرتهم .
وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } تحذير من مخالفة أمره - سبحانه - .
أى : مرهم - أيها الرسول الكريم - بالتزام ما أمرناهم به وما نهيناهم عنه ، لأننا لا يخفى علينا شىء من تصرفاتهم ، ولأننا أعلم بهم من أنفسهم ، وسنحاسبهم على ما يصنعون فى دنياهم ، يوم القيامة .
( قل للمؤمنين : يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم . ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون ) . .
وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام . كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية . ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم !
وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر . أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة ، ويقظة الرقابة ، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى . ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة ؛ بوصفهما سببا ونتيجة ؛ أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع . كلتاهما قريب من قريب .
( ذلك أزكى لهم ) . . فهو أطهر لمشاعرهم ؛ وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط . وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها ، وجوها الذي تتنفس فيه .
والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ؛ وهو العلم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم : ( إن الله خبير بما يصنعون ) . .
قوله { قل للمؤمنين } بمنزلة قوله إنهم ، فقوله { يغضوا } جواب الأمر ، وقال المازني المعنى قل لهم غضوا { يغضوا } . ويلحق هذين من الاعتراض أن الجواب خبر من الله وقد يوجد من لا يغض وينفصل بأن المراد يكونون في حكم من يغض ، وقوله { من أبصارهم } أظهر ما في { من } أن تكون للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض ، ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب «لا تتبع النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية » الحديث{[8673]} . وقال جرير بن عبد الله سألت النبي عليه السلام عن نظرة الفجأة فقال «اصرف بصرك »{[8674]} ويصح أن تكون { من } لبيان الجنس{[8675]} ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية ، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه ، و «حفظ الفروج » يحتمل أن يريد في الزنى ويحتمل أن يريد في ستر العورة والأظهر أن الجميع مراد واللفظ عام ، وبهذه الآية حرم العلماء دخول الحمام بغير مئزر وقال أبو العالية كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنا إلا هذه الآيتين فإنه يعني التستر .
قال الفقيه الإمام القاضي : ولا وجه لهذا التخصيص عندي وباقي الآية بين وظاهره والتوعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.