المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

26- يا بني آدم : قد أنعمنا عليكم ، فخلقنا لكم ملابس تستر عوراتكم ، ومواد تتزينون بها ، ولكن الطاعة خير لباس يقيكم العذاب . تلك النعم من الآيات الدالة على قدرة الله وعلى رحمته ، ليتذكر الناس بها عظمته واستحقاقه وحده الألوهية . وتلك القصة من سنن الله الكونية التي تبين جزاء مخالفة أمر الله ، فيتذكر بها الناس ويحرصون على طاعة الله وعلى شكر نعمه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

وبعد أن قص القرآن على بنى آدم قصة خلقهم وتصويرهم وما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، وكيف أن إبليس قد خدع آدم وزوجه خداعا ترتب عليه إخراجهما من الجنة . بعد كل ذلك أورد القرآن أربع نداءات لبنى آدم حضهم فيها على تقوى الله وحذرهم من وسوسة الشيطان وذكرهم بنعمه عليهم ، فقال في النداء الأول : { يابني ءَادَمَ . . . } .

السوءة : العورة . والريش : لباس الزينة ، استعير من ريش الطائر ، لأنه لباسه وزينته . وقال الجوهرى : " الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس ، وهو اللباس الفاخر " .

والمعنى : يا بنى آدم تذكروا واعتبروا واشكروا الله على ما حباكم من نعم ، فإنه - سبحانه - قد هيأ لكم سبيل الحصول على الملبس الذي تسترون به عوراتكم ، وتتزينون به في مناسبات التجمل والتعبد .

والمراد بإنزال ما ذكر أنه خلق لبنى آدم مادة هذا اللباس التي تتكون من القطن والصوف والحرير وما إليها ، وألهمهم بما خلق فيهم من غرائز طرق استنباتها وصناعتها بالغزل والنسج والخياطة .

والتعبير بأنزلنا يفيد خصوصية البشر باللباس الذي يستر العورة ، وبالرباش التي يتزينون بها ، أى أنزلنا عليكم لباسين : لباسا يوارى سوآتكم ، ولباسا يزينكم ، لأن الزينة غرض صحيح وحبها من طبيعة البشر . قال - تعالى - : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } قال الجمل : " وقوله - تعالى - : { وَرِيشاً } يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات . والمعنى : أنه وصف اللباس بوصفين : مواراة السوأة ، والزينة . ويحتمل أن يكون من باب عطف الشىء على غيره . أى : أنزلنا عليكم لباسا موصوفا بالمواراة ، ولباسا موصوفا بالزينة " .

ثم بين - سبحانه - أن هناك لباسا آخر أفضل وأكمل من كل ذلك فقال : { وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ } أى : أن اللباس الذي يصون النفس من الدنايا والأرجاس ، ويسترها بالإيمان والعمل الصالح هو خير من كل لباس حسى يتزين به البشر . فاسم الإشارة هنا يعود على لباس التقوى . وقد عبر القرآن هنا عن التقوى بأنها لباس ، وعبر عنها في موضع آخر بأنها زاد مشاكلة للسياق الذي وردت فيه هنا أو هناك . وذلك من باب تجسيم المعنويات وتنسيقها مع الجو العام الذي ورت فيه ، وتلك طريقة انفرد بها القرآن الكريم .

قال صاحب الكشاف : وقوله : { وَلِبَاسُ التقوى } مبتدأ ، وخبره إما الجملة التي هى { ذلك خَيْرٌ } كأنه قيل : ولباس التقوى هو خير ، لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر . وإما المفرد الذي هو خير ، وذلك صفة للمبتدأ ، كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير " .

وقوله - تعالى - : { ذلك مِنْ آيَاتِ الله لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } معناه : ذلك الذي أنزله الله على بنى آدم من النعم من دلائل قدرته وإحسانه عليهم ، لعلهم بعد ذلك لا يعودون إلى النسيان الذي أوقع أبويهم في المعصية .

قال صاحب الكشاف : وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقب ذكر ظهور العورات وخصف الورق عليها ، إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعاراً بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

26

( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا . ولباس التقوى ، ذلك خير ، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) . .

هذا النداء يجيء في ظل المشهد الذي سبق عرضه من القصة . . مشهد العري وتكشف السوآت والخصف من ورق الجنة . . لقد كان هذا ثمرة للخطيئة . . والخطيئة كانت في معصية أمر الله ، وتناول المحظور الذي نهى عنه الله . . وليست هي الخطيئة التي تتحدث عنها أساطير [ الكتاب المقدس ! ] والتي تعج بها التصورات الفنية الغربية المستقاة من تلك الأساطير ومن إيحاءات " فرويد " المسمومة . . لم تكن هي الأكل من " شجرة المعرفة " - كما تقول أساطير العهد القديم . وغيرة الله - سبحانه وتعالى - من " الإنسان " وخوفه - تعالى عن وصفهم علواً كبيراً - من أن يأكل من شجرة الحياة أيضاً فيصبح كواحد من الآلهة ! كما تزعم تلك الأساطير . ولم تكن كذلك هي المباشرة الجنسية كما تطوف خيالات الفن الأوربي دائماً حول مستنقع الوحل الجنسي ، لتفسر به كل نشاط الحياة كما علمهم فرويد اليهودي ! . .

وفي مواجهة مشهد العري الذي أعقب الخطيئة ومواجهة العري الذي كان يزاوله المشركون في الجاهلية يذكر السياق في هذا النداء نعمة الله على البشر وقد علمهم ويسر لهم ، وشرع لهم كذلك ، اللباس الذي يستر العورات المكشوفة ، ثم يكون زينة - بهذا الستر - وجمالاً ، بدل قبح العري وشناعته - ولذلك يقول : ( أنزلنا ) أي : شرعنا لكم في التنزيل . واللباس قد يطلق على ما يواري السوأة وهو اللباس الداخلي ، والرياش قد يطلق على ما يستر الجسم كله ويتجمل به ، وهو ظاهر الثياب . كما قد يطلق الرياش على العيش الرغد والنعمة والمال . . وهي كلها معان متداخلة ومتلازمة :

( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ) . .

كذلك يذكر هنا ( لباس التقوى ) ويصفه بأنه ( خير ) :

( ولباس التقوى ذلك خير . ذلك من آيات الله . ) . .

قال عبد الرحمن بن أسلم : [ يتقي الله فيواري عورته ، فذاك لباس التقوى ] . .

فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة ، وبين التقوى . . كلاهما لباس . هذا يستر عورات القلب ويزينه . وذاك يستر عورات الجسم ويزينه . وهما متلازمان . فعن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه . ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري . . العري من الحياء والتقوى ، والعري من اللباس وكشف السوأة !

إن ستر الجسد حياء ليس مجرد اصطلاح وعرف بيئي - كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس وعفتهملتدمير إنسانيتهم ، وفق الخطة اليهودية البشعة التي تتضمنها مقررات حكماء صهيون - إنما هي فطرة خلقها الله في الإنسان ؛ ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر ؛ وأقدرهم على تنفيذها بما سخر لهم في الأرض من مقدرات وأرزاق .

والله يذكر بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر ، صيانة لإنسانيتهم من أن تتدهور إلى عرف البهائم ! وفي تمكينهم منه بما يسر لهم من الوسائل :

( لعلهم يذكرون ) . .

ومن هنا يستطيع المسلم أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الناس وأخلاقهم ؛ والدعوة السافرة لهم إلى العري الجسدي - باسم الزينة والحضارة والمودة ! - وبين الخطة الصهيونية لتدمير إنسانيتهم ، والتعجيل بانحلالهم ، ليسهل تعبيدهم لملك صهيون ! ثم يربط بين هذا كله والخطة الموجهة للإجهاز على الجذور الباقية لهذا الدين في صورة عواطف غامضة في أعماق النفوس ! فحتى هذه توجه لها معاول السحق ، بتلك الحملة الفاجرة الداعرة إلى العري النفسي والبدني الذي تدعو إليه أقلام وأجهزة تعمل لشياطين اليهود في كل مكان ! والزينة " الإنسانية " هي زينة الستر ، بينما الزينة " الحيوانية " هي زينة العري . . ولكن " الآدميين " في هذا الزمان يرتدون إلى رجعية جاهلية تردهم إلى عالم البهيمة . فلا يتذكرون نعمة الله بحفظ إنسانيتهم وصيانتها !

/خ34

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

يمتن تبارك وتعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش فاللباس{[11631]} المذكور هاهنا لستر العورات - وهي السوآت{[11632]} والرياش والريش : هو ما يتجمل به ظاهرًا ، فالأول من الضروريات ، والريش من التكملات والزيادات .

قال ابن جرير : " الرياش " في كلام العرب : الأثاث ، وما ظهر من الثياب .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس - وحكاه البخاري - عنه : الرياش : المال . وكذا قال مجاهد ، وعُرْوَة بن الزبير ، والسُّدِّي والضحاك{[11633]}

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : " الرياش " اللباس ، والعيش ، والنعيم .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : " الرياش " : الجمال .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا أصْبَغُ ، عن أبي العلاء الشامي قال : لبس أبو أمامة ثوبًا جديدًا ، فلما بلغ تَرْقُوَتَه قال : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي . ثم قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استجد ثوبًا فلبسه{[11634]} فقال حين يبلغ ترقوته : الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي{[11635]} ثم عمد إلى الثوب الذي خَلُقَ أو : ألقى فتصدق به ، كان في ذمة الله ، وفي جوار الله ، وفي كنف الله حيا وميتا ، [ حيا وميتا ، حيا وميتا ] " {[11636]} .

ورواه الترمذي ، وابن ماجه ، من رواية يزيد بن هارون ، عن أصبغ - هو ابن زيد الجهني{[11637]} - وقد وثقه يحيى بن مَعِين وغيره ، وشيخه " أبو العلاء الشامي " لا يعرف إلا بهذا الحديث ، ولكن لم يخرجه أحد ، والله أعلم .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا مختار بن نافع التمار ، عن أبي مطر ؛ أنه رأى عليا ، رضي الله عنه ، أتى غلامًا حدثًا ، فاشترى منه قميصًا بثلاثة دراهم ، ولبسه إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين ، يقول ولبسه : الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس ، وأواري به عورتي . فقيل : هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هذا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكسوة : " الحمد لله الذي رزقني{[11638]} من الرياش{[11639]} ما أتجمل به في الناس ، وأواري به عورتي " {[11640]}

وقوله تعالى : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } قرأ بعضهم : " ولباسَ التقوى " ، بالنصب . وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء ، { ذَلِكَ خَيْرٌ } خبره .

واختلف المفسرون في معناه ، فقال عكرمة : يقال : هو ما يلبسه المتقون يوم القيامة . رواه ابن أبي حاتم .

وقال زيد بن علي ، والسُّدِّي ، وقتادة ، وابن جُريْج : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى } الإيمان .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس [ رضي الله عنه : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى } ]{[11641]} العمل الصالح .

وقال زياد{[11642]} بن عمرو ، عن ابن عباس : هو السمت الحسن في الوجه .

وعن عُرْوَة بن الزبير : { لِبَاسُ التَّقْوَى } خشية الله .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { لِبَاسُ التَّقْوَى } يتقي الله ، فيواري عورته ، فذاك لباس التقوى .

وكل هذه متقاربة ، ويؤيد ذلك الحديث الذي رواه ابن جرير حيث قال :

حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق بن الحجاج ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الحسن قال : رأيت عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص قُوهي محلول الزرّ ، وسمعته يأمر بقتل الكلاب ، وينهى عن اللعب بالحمام . ثم قال : يا أيها الناس ، اتقوا الله في هذه السرائر ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفس محمد بيده ، ما عمل أحد قط سرا إلا ألبسه الله رداء علانية ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر " . ثم تلا هذه الآية : " ورياشًا " ولم يقرأ : وريشًا - { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ } قال : " السمت الحسن " .

هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم{[11643]} وفيه ضعف . وقد روى الأئمة : الشافعي ، وأحمد ، والبخاري في كتاب " الأدب " من طرق صحيحة ، عن الحسن البصري ؛ أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام ، يوم الجمعة على المنبر .

وأما المرفوع منه{[11644]} فقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير له شاهدًا{[11645]} من وجه آخر ، حيث قال : حدثنا . . . . {[11646]}


[11631]:في ك: "واللباس".
[11632]:في ك: "الشهوات".
[11633]:في ك، م، أ: "والضحاك: الرياش: المال".
[11634]:في م: "يلبسه".
[11635]:في أ: "في الناس".
[11636]:زيادة من أ.
[11637]:المسند (1/44) وسنن الترمذي برقم (3560) وسنن ابن ماجة برقم (3557).
[11638]:في أ: "كساني".
[11639]:في م: "من اللباس".
[11640]:المسند (1/157) قال الهيثمي في المجمع (5/119): "فيه مختار بن نافع وهو ضعيف".
[11641]:زيادة من ك، أ.
[11642]:في أ: "الديال".
[11643]:تفسير الطبري (12/367)
[11644]:في م: "عنه".
[11645]:في ك، م: شاهدا آخر".
[11646]:[محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم المروزي، حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عبيد الله العرزمى، عن سلمة ابن كهيل، عن جندب بن سفيان البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر"].المعجم الكبير (2/171) وقال الهيثمي في المجمع (10/225): "فيه حامد بن آدم وهو كذاب" والعرزمي تركه الأئمة.تنبيه: في جميع النسخ لم يذكر هذا الحديث الذي سقته ها هنا، وموضعه بياض عدة أسطر، وقد تعرفت على أن هذا الحديث هو مقصود الحافظ ابن كثير، أني رأيته ساق أثر عثمان السابق ثم ساق بعده هذا الحديث بإسناد الطبراني، كما سيأتي في سورة الفتح آية: 29، فرأيت إثباته في الحاشية.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا } أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة ، ونظيره قوله تعالى : { وأنزل لكم من الأنعام } وقوله تعالى : { وأنزلنا الحديد } . { يواري سوآتكم } التي قصد الشيطان إبداءها ، ويغنيكم عن خصف الورق . روي : أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها ، فنزلت . ولعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان ، وأنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم . { وريشا } ولباسا تتجملون به ، والريش الجمال . وقيل مالا ومنه تريش الرجل إذا تمول . وقرئ " رياشا " وهو جمع ريش كشعب وشعاب . { ولباس التقوى } خشية الله . وقيل الإيمان . وقيل السمت الحسن . وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء وخبره : { ذلك خير } أو خبر وذلك صفته كأنه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير . وقرأ نافع وابن عامر والكسائي { ولباس التقوى } بالنصب عطفا على { لباسا } . { ذلك } أي إنزال اللباس . { من آيات الله } الدالة على فضله ورحمته . { لعلهم يذكّرون } فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

وقوله تعالى : { يا بني آدم } الآية ، هذا خطاب لجميع الأمم وقت النبي عليه الصلاة والسلام ، والمراد قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت ، ذكر النقاش ثقيفاً وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج وعامراً والحارث ابني عبد مناف فإنها كانت عادتهم رجالاً ونساءً ، وذلك غاية العار والعصيان ، قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع الآيات ، وقوله : { أنزلنا } يحتمل أن يريد التدرج أي لما أنزلنا المطر فكان عنه جميع ما يلبس ، قال عن اللباس أنزلنا ، وهذا نحو قول الشاعر يصف مطراً .

أقبل في المستن من سحابه*** اسنمة الآبال في ربابه

أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة ب { أنزلنا } كقوله { وأنزلنا الحديد فيه بأس } وقوله : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } وأيضاً فخلق الله عز وجل وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة ، و { لباساً } عام في جميع ما يلبس ، و { يوراي } يستر ، وفي حرف أبيّ «سوءاتكم وزينة ولبس التقوى » وفي مصحف ابن مسعود «ولباس التقوى خير ذلكم » ، ويروى عنه ذلك ، وسقطت «ذلك » الأولى ، وقرأ سكن النحوي «ولبوسُ التقوى » بالواو مرفوعة السين ، و قرأ الجمهور من الناس «وريشاً » وقرأ الحسن وزر بن حبيش وعاصم فيما روى عنه أبو عمرو أيضاً ، وابن عباس وأبو عبد الرحمن ومجاهد وأبو رجاء وزيد بن علي وعلي بن الحسين وقتادة «ورياشاً » ، قال أبو الفتح : وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو حاتم : رواها عنه عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهما عبارتان عن سعة الرزق ورفاهية العيش ووجود الملبس والتمتع ، وفسره قوم بالأثاث ، وفسره ابن عباس بالمال ، وكذلك قال السدي والضحاك ، وقال ابن زيد «الريش » الجمال ، وقيل «الرياش » جمع ريش كبير وبئار وذيب وذياب ولصب ولصاب وشعب وشعاب وقيل الرياش مصدر من أراشه الله يريشه إذا أنعم عليه ، والريش مصدر أيضاً من ذلك وفي الحديث«رجل راشه الله مالاً » .

قال القاضي أبو محمد : ويشبه أن هذا كله من معنى ريش الطائر وريش السهم إذ هو لباسه وسترته وعونه على النفوذ ، وراش الله مأخوذ من ذلك ، ألا ترى أنها تقرن ببرى ومن ذلك قول الشاعر : [ لعمير بن حباب ]

فرشني بخير طال ما قد بريتني*** وخير الموالي من يريش ولا يبري

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي «ولباسَ » بالنصب عطفاً على ما تقدم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة «ولباسُ » بالرفع فقيل هو خبر ابتداء مضمر تقديره وهو لباس ، وقيل هو مبتدأ و { ذلك } مبتدأ آخر و { خير } خبر { ذلك } ، والجملة خبر الأول ، وقيل هو مبتدأ و { خير } خبره و { ذلك } بدل أو عطف بيان أو صفة ، وهذا أنبل الأقوال ذكره أبو علي في الحجة .

وقوله : { ذلك من آيات الله } إشارة إلى جميع ما أنزل من اللباس والريش ، وحكى النقاش أن الإشارة إلى لباس التقوى أي هو في العبد آية علامة وأمارة من الله أنه قد رضي عنه ورحمه ، و { لعلهم } ترج بحسبهم ومبلغهم من المعرفة وقال ابن جريج { لباس التقوى } الإيمان ، وقال معبد الجهني : هو الحياء ، وقال ابن عباس هو العمل الصالح ، وقال أيضاً ، هو السمت الحسن في الوجه ، وقاله عثمان بن عفان على المنبر ، وقال عروة بن الزبير هو خشية الله ، وقال ابن زيد هو سترة العورة ، وقيل { لباس التقوى } الصوف وكل ما فيه تواضع لله عز وجل ، وقال الحسن : هو الورع والسمت والحسن في الدنيا ، وقال ابن عباس { لباس التقوى } العفة ، وقال زيد بن علي { لباس التقوى } السلاح وآلة الجهاد .

قال القاضي أبو محمد : وهذه كلها مثل وهي من { لباس التقوى } .

قال القاضي أبو محمد : وتتصور الصفة التي حكاها أبو علي في قوله : { ذلك } لأن الأسماء توصف بمعنى الإشارة كما تقول جاءني زيد هذا كأنك قلت جاءني زيد المشار إليه فعلى هذه الحد توصف الأسماء بالمبهمات ، وأما قوله فيه عطف بيان وبدل فهما واحد في اللفظ إنما الفرق بينهما في المعنى والمقصد وذلك أنك تريد في البدل كأنك أزلت الأول وأعملت العامل في الثاني على نية تكرار العامل ، وتريد في عطف البيان كأنك أبقيت الأول وأعملت العامل في الثاني وإنما يبين الفرق بين البدل وعطف البيان في مسألة النداء إذا قلت يا عبد الله زيد فالبدل في هذه المسألة هو على هذا الحد برفع زيد لأنك تقدر إزالة عبد الله وإضافة «يا » إلى زيد ولو عطفت عطف البيان لقلت يا عبد الله زيد لأنك أردت بيانه ولم تقدر إزالة الأول وينشد هذا البيت : [ الرجز ]

?ني وأسطار سطرن سطرا*** لقائل يا نصر نصراً نصراً

ويا نصر الأول على عطف البيان والثاني على البدل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

إذا جرينا على ظاهر التّفاسير كان قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } الآية استئنافاً ابتدائياً ، عاد به الخطاب إلى سائر النّاس الذين خوطبوا في أوّل السّورة بقوله : { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } [ الأعراف : 3 ] الآيات ، وهم أمّة الدّعوة ، لأنّ الغرض من السّورة إبطال ما كان عليه مشركو العرب من الشّرك وتوابعه من أحوال دينهم الجاهلي ، وكان قوله : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } [ الأعراف : 11 ] استطراداً بذكر منّة الله عليهم وهم يكفرون به كما تقدّم عند قوله تعالى : { ولقد خلقناكم } فخاطبتْ هذه الآية جميع بني آدم بشيء من الأمور المقصودة من السّورة فهذه الآية كالمقدّمة للغرض الذي يأتي في قوله : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] ووقوعها في أثناء آيات التّحذير من كيد الشّيطان جعلها بمنزلة الاستطراد بين تلك الآيات وإن كانت هي من الغرض الأصلي .

ويجوز أن يكون قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } وما أشبهه ممّا افتتح بقوله : { يا بني آدم } أربعَ مرّات ، من جملة المقول المحكي بقوله : { قال فيها تحيون } [ الأعراف : 25 ] فيكون ممّا خاطب الله به بني آدم في ابتداء عهدهم بعمران الأرض على لسان أبيهم آدمَ ، أو بطريق من طرق الإعلام الإلهي ، ولو بالإلهام ، لما تَنشأ به في نفوسهم هذه الحقائق ، فابتدأ فأعلمهم بمنَّته عليهم أن أنزل لهم لباساً يواري سَوْآتهم ، ويتجمّلون به بمناسبة ما قصّ الله عليهم من تعري أبويهم حين بدت لهما سَوءاتُهما ، ثمّ بتحذيرهم من كيد الشّيطان وفتنته بقوله : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } [ الأعراف : 27 ] ثمّ بأن أمرهم بأخذ اللّباس وهو زينة الإنسان عند مواقع العبادة لله تعالى بقوله : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] ، ثمّ بأن أخذ عليهم العهد بأن يُصدّقوا الرّسل وينتفعوا بهديهم بقوله : { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم } [ الأعراف : 35 ] الآية ، واستطرد بين ذلك كلّه بمواعظ تنفع الذين قُصدوا من هذا القَصص ، وهم المشركون المكذّبون محمّداً صلى الله عليه وسلم فهم المقصود من هذا الكلام كيفما تفنّنت أساليبه وتناسقَ نظمُه ، وأيًّا ما كان فالمقصود الأوّل من هذه الخطابات أو من حكايتها هم مشركُو العرب ومكذّبو محمّد صلى الله عليه وسلم ولذلك تخللتْ هذه الخطاباتتِ مُستطرَدَاتٌ وتعريضاتٌ مناسبة لما وضعه المشركون من التّكاذيب في نقض أمر الفطرة .

والجُمل الثّلاث من قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } وقوله { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } [ الأعراف : 27 ] وقوله { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] متّصلة تمام الاتّصال بقصّة فتنة الشّيطان لآدم وزوجه ، أو متّصلة بالقول المحكي بجملة : { قال فيها تحيون } [ الأعراف : 25 ] على طريقة تعداد المقول تعداداً يشبه التّكرير .

وهذا الخطاب يشمل المؤمنين والمشركين ، ولكن الحظّ الأوفر منه للمشركين : لأنّ حظّ المؤمنين منه هو الشّكر على يَقينهم بأنّهم موافقون في شؤونهم لمرضاة ربّهم ، وأمّا حظّ المشركين فهو الإنذار بأنّهم كافرون بنعمة ربّهم ، معرّضون لسخطه وعقابه .

وابتُدىء الخطاب بالنّداء ليقع إقبالهم على ما بعده بشراشر قلوبهم ، وكان لاختيار استحضارهم عند الخطاب بعنوان بني آدم مرّتين وقْع عجيب ، بعد الفراغ من ذكر قصّة خلق آدم وما لقيه من وسوسة الشّيطان : وذلك أنّ شأن الذرّية أن تثأر لآبائها ، وتعادي عدوّهم ، وتحترس من الوقوع في شَرَكه .

ولمّا كان إلهام الله آدمَ أن يَستر نفسه بوَرق الجنّة مِنَّةٌ عليه ، وقد تقلّدها بنوه ، خوطب النّاس بشمول هذه المنّة لهم بعنوان يدلّ على أنّها منّةٌ موروثة ، وهي أوقع وأدعى للشّكر ، ولذلك سمّى تيسير اللّباس لهم وإلهامهم إياه إنزالاً ، لقصد تشريف هذا المظهر ، وهو أوّل مظاهر الحَضارة ، بأنّه منزّل على النّاس من عند الله ، أو لأنّ الذي كان مِنْهُ على آدم نزل به من الجنّة إلى الأرض التي هو فيها ، فكان له في معنى الإنزال مزيد اختصاص ، على أنّ مجرّد الإلهام إلى استعماله بتسخير إلهي ، مع ما فيه من عظيم الجدوى على النّاس والنّفع لهم ، يحسِّن استعارة فعل الإنزال إليه ، تشريفاً لشأنه ، وشاركه في هذا المعنى ما يكون من الملهمات عظيم النّفع ، كما في قوله : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس } [ الحديد : 25 ] أي أنزلنا الإلهام إلى استعماله والدّفاععِ به ، وكذلك قوله : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } [ الزمر : 6 ] أي : خلَقها لكم في الأرض بتدبيره ، وعلَّمكم استخدامها والانتفاعَ بما فيها ، ولا يطرد في جميع ما أُلهم إليه البشر ممّا هو دون هذه في الجدوى ، وقد كان ذلك اللّباس الذي نزل به آدم هو أصل اللّباس الذي يستعمله البشر .

وهذا تنبيه إلى أنّ اللّباس من أصل الفطرة الإنسانيّة ، والفطرة أوّل أصول الإسْلام ، وأنّه ممّا كرم الله به النّوع منذ ظهوره في الأرض ، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قرباتهم نزع لباسهم بأن يحجّوا عُراة كما سيأتي عند قوله : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } [ الأعراف : 32 ] فخالفوا الفطرة ، وقد كان الأمم يحْتفلون في أعياد أديانهم بأحسن اللّباس ، كما حكى الله عن موسى عليه السّلام وأهل مصر : { قال موعدكم يوم الزينة } [ طه : 59 ] .

واللّباس اسم لما يلبَسه الإنسان أي يستُر به جزءاً من جسده ، فالقميص لباس ، والإزار لباس ، والعمامة لباس ، ويقال لبس التّاج ولبس الخاتم قال تعالى : { وتستخرجون حلية تلبسونها } [ فاطر : 12 ] ومصدر لبس اللّبس بضمّ اللاّم .

وجملة : { يواري سوآتكم } صفة ( للباساً ) وهو صنف اللّباس اللاّزم ، وهذه الصّفة صفة مَدح اللّباس أي من شأنه ذلك وإن كان كثير من اللّباس ليس لمواراة السوآت مثل العمامة والبرد والقباء وفي الآية إشارة إلى وجوب ستر العورة المغلظة ، وهي السوأة ، وأمّا ستر ما عداها من الرّجل والمرأة فلا تدلّ الآية عليه ، وقد ثبت بعضه بالسنّة ، وبعضه بالقياس والخوض في تفاصيلها وعللها من مسائل الفقه .

والرّيش لباس الزّينة الزائد على ما يستر العورة ، وهو مستعار من ريش الطّير لأنّه زينته ، ويقال للباس الزّينة رِياش .

وعطف ( ريشاً ) على : { لباساً يزارى سوآتكم } عطفَ صنف على صنف ، والمعنى يَسَّرنا لكم لباساً يستركم ولباساً تتزيّنون به .

وقوله : { ولباس التقوى } قرأه نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبُو جعفر : بالنّصب ، عطفاً على { لباساً } فيكون من اللّباس المُنْزَل أي الملهَم ، فيتعيّن أنّه لباس حقيقة أي شيء يلبس . والتّقوى ، على هذه القراءة ، مصدر بمعنى الوقاية ، فالمراد : لَبوس الحرب ، من الدّروع والجواشن والمغافر . فيكون كقوله تعالى : { وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم } [ النحل : 81 ] . والإشارة باسم الإشارة المفرد بتأويل المذكور ، وهو اللّباس بأصنافه الثّلاثة ، أي خير أعطاه الله بني آدم . فالجملة مستأنفة أو حال من { لباساً } وما عطف عليه .

وقرأه ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وخَلف : برفع { لباس التقوى } على أنّ الجملة معطوفة على جملة { قد أنزلنا عليكم لباساً } ، فيجوز أن يكون المراد بلباس التّقوى مثل ما يرد به في قراءة النّصب ، ويجوز أن يكون المراد بالتّقوى تقوى الله وخشيته ، وأطلق عليها اللّباس إمّا بتخييل التّقوى بلباس يُلبس ، وإمّا بتشبيه ملازمة تقوى الله بملازمة اللاّبس لباسه ، كقوله تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } [ البقرة : 187 ] مع ما يحسِّن هذا الإطلاق من المشاكلة .

وهذا المعنى الرّفعُ أليقُ به . ويكون استطراداً للتّحريض على تقوى الله ، فإنّها خير للنّاس من منافع الزّينة ، واسم الإشارة على هذه القراءة لتعظيم المشار إليه .

وجملة : { ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون } استئناف ثان على قراءة : { ولباس التقوى } بالنّصب بأن استأنف . بعد الامتنان بأصناف اللبّاس ، استئنافين يؤذنان بعظيم النّعمة : الأوّل بأنّ اللّباس خير للنّاس ، والثّاني بأنّ اللّباس آية من آيات الله تدلّ على علمه ولطفه ، وتدلّ على وجوده ، وفيها آية أخرى وهي الدّلالة على علم الله تعالى بأن ستكون أمّة يَغلب عليها الضّلال فيكونون في حجّهم عُراةً ، فلذلك أكّد الوصاية به . والمشار إليه ، بالإشارة التي في الجملة الثّانية ، عين المشار إليه بالإشارة التي في الجملة الأولى وللاهتمام بكلتا الجملتين جعلت الثّانية مستقلّة غير معطوفة .

وعلى قراءة رفع : { ولباس للتقوى } تكون جملة : ذلك من آيات الله استئناف واحداً والإشارة التي في الجملة الثّانية عائدة إلى المذكور قبلُ من أصناف اللّباس حتّى المجازي على تفسير لباس التّقوى بالمجازي .

وضمير الغيبة في : { لعلهم يذكرون } التفات أي جعل الله ذلك آية لعلّكم تتذكّرون عظيم قدرة الله تعالى وانفراده بالخلق والتّقدير واللّطف ، وفي هذا الإلتفات تعريض بمن لم يتذكر من بني آدم فكأنّه غائب عن حضرة الخطاب ، على أنّ ضمائر الغيبة ، في مثل هذا المقام في القرآن ، كثيراً ما يقصد بها مشركو العرب .