النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

قوله عز وجل : { يَا بَنِيَ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوُءَاتِكُمْ } نزلت هذه الآية في قوم{[1052]} من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون{[1053]} أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة .

وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان :

أحدهما : أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها .

والثاني : تفاؤلاً بالتعري من الذنوب فقال الله تعالى :

{ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } أي ما تلبسون من الثياب .

فإن قيل : فليس ذلك بمنزل{[1054]} من السماء .

فعنه جوابان :

أحدهما : أنه لما كان ينبت من المطر الذي نزل من السماء صار كالمنزل من السماء ، قاله الحسن .

والثاني : أن هذا من بركات الله{[1055]} ، والبركة تنسب إلى أنها تنزل من السماء ، كما قال تعالى{[1056]} :

{ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ }{[1057]}

ثم قال : { يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } أي يستر عوراتكم ، وسميت العورة سوأة لأنه يسوء صاحبها انكشافها .

ثم قال : { وَرِيشاً } وهذه قراءة أهل الأمصار وكان الحسن يقرأ : { وَرِيَاشاً } وفيه أربعة تأويلات :

أحدهما : أنه المعاش ، قاله معبد الجهني .

والثاني : أنه اللباس والعيش والنعيم ، قاله ابن عباس .

والثالث : أنه الجمال والزينة ، قاله ابن زيد ، ومنه قول رؤبة :

إليك أشكو شدة المعيش *** وجهد أعوام نتفن ريشي

يريد أذهبن جمالي وزينتي .

والرابع : أنه المال : قاله ابن الزبير ومجاهد ، قال الشاعر :{[1058]}

فريشي منكم وهواي معكم *** وإن كانت زيارتكم لماما

وفي الريش والرياش وجهان :

أحدهما : أن معناهما واحد وإن اختلف لفظهما .

والوجه الثاني : أن معناهما مختلف ، فالريش ما بطن ، والرياش ما ظهر .

ثم قال : { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } وفي لباس التقوى سبعة{[1059]} تأويلات :

أحدها : أنه الإيمان ، قاله قتادة والسدي .

الثاني : الحياة ، قاله معبد الجهني .

والثالث : أنه العمل الصالح ، قاله ابن عباس .

والرابع : أنه السمت الحسن ، قاله عثمان بن عفان .

والخامس : خشية الله ، قاله عروة بن الزبير .

السادس : ستر العورة للصلاة التي هي{[1060]} التقوى ، قاله ابن زيد . والسابع : لبس ما يُتَّقَى به الحر والبرد ، قاله ابن بحر{[1061]} .

وفي قوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ } وجهان :

أحدهما : أنه راجع إلى لباس التقوى ومعنى الكلام أن لباس التقوى خير من الرياش واللباس{[1062]} ، قاله قتادة والسدي .

والثاني : أنه راجع إلى جميع ما تقدم من { قَدْ أَنزَلْنَا علَيكُمْ لِبَاساً يُوارِي سَوْءَاتِكُم وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوى } ثم قال : { ذَلِكَ } الذي ذكرته هو { خَيْرٌ } كله .


[1052]:في ق: ناس.
[1053]:في ك: ويرو.
[1054]:في ق: بمنزله وفي ك منزل.
[1055]:في ك: بركات السماء.
[1056]:في ك: كقوله.
[1057]:آية 25 الحديد.
[1058]:سقط من ق. وهذا البيت لجرير بن عطية من قصيدة له يمدح فيها هشام بن عقيل شاهدا على تسكين عين "مع".
[1059]:في ق: ستة.
[1060]:سقط من ق.
[1061]:سقط من ق.
[1062]:سقطت من ك.