غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

26

التفسير : لما ذكر أن الأرض لبني آدم ذكر أنه أنزل كل ما يحتاجون إليه في الدين والدنيا فقال : { يا بني آدم قد أنزلنا } وأيضاً لما ذكر واقعة آدم في انكشاف العورة وأنه كان يخصف عليها أتبعه ذكر اللباس الساتر للعورة إظهاراً للمنّة وإشعاراً بأن التستر باب من أبواب التقوى . ومعنى إنزال اللباس أنه قضى ثمة وكتب أو أنه حاصل بالمطر المنزل من أبواب التقوى . ومعنى إنزال اللباس أنه قضى ثمة وكتب أو أنه حاصل بالمطر المنزل من السماء ومثله { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج }

[ الزمر : 6 ] { وأنزلنا الحديد } [ الحديد : 25 ] والريش لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته أي أنزلنا عليكم لباسين لباساً يواري سوآتكم ولباساً لزينتكم لأن الزينة غرض صحيح كما قال : { لتركبوها وزينة } [ النحل :8 ] { ولكم فيها جمال }

[ النحل : 6 ] ومن قرأ { رياشاً } فقد قيل : إنه جمع ريش كشعب وشعاب . وقال الجوهري : الريش والرياش بمعنى كاللبس واللباس وهو لباس الفاخر . ويقال : الريش والرياش المال والخصب والمعاش . وبالجملة كل شيء يعيش به الإنسان ومنه قولهم رشت فلاناً أصلحت حاله ، وقال ابن السكيت : الرياش مختص بالثياب والأثاث ، والريش قد يطلق على سائر الأموال . أما قوله : { ولباس التقوى } فمن قرأ بالنصب فعلى المنصوب قبله عطف ، ومن رفع فعلى الابتداء وخبره إما الجملة التي هي { ذلك خير } كأنه قيل : ولباس التقوى وهو خير لأن أسماء الإشارة كالضمائر في صلاح العود بسببها ، وإما المفرد الذي هو { خير } و{ ذلك } بدل أو عطف بيان أو صفة بتأويل ولباس التقوى المشار إليه خير . والعدول إلى الإشارة إما لتعظيم لباس التقوى وإما أن يكون المراد بلباس التقوى هو اللباس المواري للسوأة لأن مواراة السوأة من التقوى تفضيلاً له على لباس الزينة . ثم من المفسرين من حمل لباس التقوى على نفس الملبوس أي اللباس الذي أنزله الله تعالى ليواري به السوأة هو لباس التقوى لأن قوماً من أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بالتعري وخلع الثياب ويطوفون بالبيت عراة فيكون كقول القائل : قد عرفتك الصدق في أبواب البر والصدق خير لك من غيره فيعيده . أو المراد به ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها في الحروب . أو يراد الملبوسات المعدة لأجل إقامة الصلاة ومنهم من حمله على لباس التقوى مجازاً فقال قتادة والسدي وابن جريج : إنه الإيمان . وقال ابن عباس : هو العمل الصالح . وقيل : هو السمت الحسن . وقيل : هو العفاف والتوحيد لأن المؤمن لا تبدو عورته وإن كان عارياً عن الثياب ، والفاجر لا تزال عورته مكشوفة وإن كان كاسياً . وقال معبد : هو الحياء . وقيل : هو ما يظهر على الإنسان من السكينة والإخباث والأعمال الصالحات . وعلى هذا فمعنى الآية إن لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب إلى الله تعالى مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به فأضاف اللباس إلى التقوى كما أضيف إلى الجوع والخوف في قوله : { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } [ النحل : 112 ] { وذلك من آيات الله } الدالة على فضله ورحمته على عباده { لعلهم يذكرون } فيعرفون عظيم النعمة فيه .

/خ34