بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكُمۡ لِبَاسٗا يُوَٰرِي سَوۡءَٰتِكُمۡ وَرِيشٗاۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقۡوَىٰ ذَٰلِكَ خَيۡرٞۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} (26)

قوله تعالى :

{ يا بني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } يقول خلقنا لكم الثياب { يواري سَوْءتِكُمْ } يعني يستر عوراتكم ، ويقال معناه أنزلنا عليكم المطر ينبت لكم القطن والكتَّان لباساً لكم { وَرِيشًا } قرأ الحسن البصري ورياشاً بالألف . وقرأ غيره { وريشاً } بغير ألف وقال القتبي : الريش والرياش ما ظهر من اللباس ، وريش الطائر ما ستره الله به . ويقال : الرياش : المال والمعاش . قال الفقيه : حدّثنا محمد بن الفضل . قال : حدّثنا محمد بن جعفر حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي أمامة عن عوف بن أبي جميلة عن معبد الجهني في قوله : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } قال : هو ما تلبسون { ورياشاً } قال المعاش { وَلِبَاسُ التقوى } هو الحياء { ذلك خَيْرٌ } أي لباس التقوى وهو الحياء خير من الثياب ، لأن الفاجر إنْ كان حسن الثياب فإنه بادي العورة ألا ترى إلى قول الشاعر حيث يقول :

إني كأني أرى من لا حياء له . . . ولا أمانة وسط القوم عريانا

وقال القتبي : { لِبَاسَ التقوى } أي ما ظهر عليه من السكينة والوقار والعمل الصالح كما قال : { وَضَرَبَ الله مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ أمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] أي ما ظهر عليهم من سوء آثارهم وتغيُّر حالهم . ويقال : { لِبَاسَ التقوى } الإيمان . ويقال : العفة . قرأ نافع والكسائي وابن عامر { لِبَاسَ التقوى } بالنصب يعني : أنزل لباس التقوى ومعناه : ستر العورة . وقرأ الباقون بالضم لِبَاسُ على معنى الابتداء . ويقال : فيه مضموم يعني : هو { لِبَاسَ التقوى } ومعناه : ستر العورة أي لباسُ المتقين . وقرأ عبد الله بن مسعود { وَلِبَاسُ التقوى } خير . وقال مجاهد : كان أناس من العرب يطوفون حول البيت عراة فنزل قوله تعالى : { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يوارى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا } يعني : من المال . ويقال : معنى قوله : { ذلك خَيْرٌ } يعني : اللباس خير من تركه لأنهم كانوا يطوفون عراة .

قوله : { ذلك مِنْ آيات الله } أي من نعم الله على الناس ، ويقال : من عجائب الله ودلائله . { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي : يتّعظون .