ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم : إن يسير في طريقه الذي رسمه له ، وأن يدعو الناس إليه فقال : { قُلْ هذه سبيلي أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتبعني . . . } والبصيرة : المعرفة التي يتميز بها الحق من الباطل .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس هذه طريقى وسبيلى واحدة مستقيمة لا عوج فيها ولا شبهة ، وهى أنى أدعو إلى إخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، ببصيرة مستنيرة ، وحجة واضحة ، وكذلك أتباعى يفعلون ذلك . . . ولن نكفّ عن دعوتنا هذه مهما اعترضنا العقبات .
واسم الإِشارة { هذه } مبتدأ ، و { سبيلى } خبر ، وجملة { أَدْعُو إلى الله على بَصِيرَةٍ .
. . } حالية ، وقد جئ بها على سبيل التفسير للطريقة التي انتهجها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في دعوته .
وقوله { وَسُبْحَانَ الله وَمَآ أَنَاْ مِنَ المشركين } تنزيه لله - تعالى - عن كل ما لا يليق به على أبلغ وجه .
أى : وأنزه الله - تعالى - تنزيهاً كاملاً عن الشرك والشركاء ، وما أنا من المشركين ببه في عبادته أو طاعته في أى وقت من الأوقات .
و إذا كانت آيات هذا القرآن الذي يحمل دليل الرسالة ، وكانت الآيات التي يحفل بها الكون معروضة للأنظار . . إذا كانت هذه وتلك يمرون عليها وهم عنها معرضون ، ويشركون بالله شركا ظاهرا أو خفيا وهم الأكثرون . فالرسول [ ص ] ماض في طريقه ومن اهتدى بهديه ، لا ينحرفون ولا يتأثرون بالمنحرفين :
( قل : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله ! وما أنا من المشركين ) .
واحدة مستقيمة ، لا عوج فيها ولا شك ولا شبهة .
( أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) . .
فنحن على هدى من الله ونور . نعرف طريقنا جيدا ، ونسير فيها على بصر وإدراك ومعرفة ، لا نخبط ولا نتحسس ، ولا نحدس . فهو اليقين البصير المستنير . ننزه الله - سبحانه - عما لا يليق بألوهيته ، وننفصل وننعزل ونتميز عن الذين يشركون به :
هذه طريقي فمن شاء فليتابع ، ومن لم يشأ فأنا سائر في طريقي المستقيم .
وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز ، لا بد لهم ان يعلنوا أنهم أمة وحدهم ، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم ، ولا يسلك مسلكهم ، ولا يدين لقيادتهم ، ويتميزون ولا يختلطون ! ولا يكفي أن يدعو أصحاب هذا الدين إلى دينهم ، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي . فهذه الدعوة لا تؤدي شيئا ذا قيمة ! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية ؛ وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة ، وعنوانه القيادة الإسلامية . . لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي ؛ وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضا !
إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي ، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية ، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم ، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم ، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة .
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين . . إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس . . وجاهلية القرن العشرين لا تختلف في مقوماتها الأصيلة ، وفي ملامحها المميزة عن كل جاهلية أخرى واجهتها الدعوة الإسلامية على مدار التاريخ !
والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية ، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع بالدعوة إلى الإسلام . . هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب ! . . إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم ! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص ؟ وطريقهم الخاص ؟ وسبيلهم التي تفترق تماما عن سبيل الجاهلية الدرس الثالث : 159 سنة الله في الدعوات والهدف من القصص القرآني ؟
ثم لفتة إلى سنة الله في رسالاته ، وإلى بعض آيات الله في الأرض من مصائر السابقين . . إن محمدا ليس بدعا من الرسل ، ورسالته ليست بدعا من الرسالات . وهذه عواقب الذين كذبوا من قبل ، آيات معروضة في الأرض .
يقول [ الله ]{[15378]} تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرًا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بَصِيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكلّ من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي .
وقوله : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ } أي : وأنزه الله وأجلّه وأعظّمه وأقدّسه ، عن أن يكون له شريك أو نظير ، أو عديل أو نديد ، أو ولد أو والد أو صاحبة ، أو وزير أو مشير ، تبارك وتعالى وتقدس وتنزه عن ذلك كله علوا كبيرا ، { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [ الإسراء : 44 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.