المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

جاءت آيات بعدها توضح موقف الكفار من المعجزات ، وإصرارهم على التكذيب ، وتطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الإعراض عنهم وإمهالهم ليوم يخرجون فيه من الأجداث كأنهم جراد منتشر .

وتتابعت الآيات بعد ذلك ، تعرض أطرافا من أحوال الأمم السابقة مع رسلهم ، والعذاب الذي حاق بهم ، وبين كل قصة وأخرى تنبه الأذهان إلى أن القرآن الكريم ميسر لمن يطلب العظة والاعتبار .

منتهية إلى بيان أن كفار مكة ليسوا أقوى ولا أشد من الأمم السابقة ، وأنه ليس لهم أمان من العذاب ، ثم ختمت السورة بتهديد المكذبين المعاندين بمصائرهم يوم يسبحون في النار على وجوههم ، ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم التي كنتم بها تكذبون ، وتطمئن المتقين إلى منازلهم في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

1- دنت القيامة وسينشق القمر لا محالة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

1- سورة القمر : هي السورة الرابعة والخمسون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الطلاق ، وقبل سورة " ص " .

ويبلغ عدد السور التي نزلت قبلها ، سبعا وثلاثين سورة .

ويبلغ على الظن أن نزولها كان في السنوات الأولى من بعثته صلى الله عليه وسلم .

قال بعض العلماء : وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة . ففي الصحيح أن عائشة –رضي الله عنها- قالت : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإني لجارية ألعب ، قوله –تعالى- : [ بل الساعة موعدهم ، والساعة أدهى وأمر ]( {[1]} ) .

2- وتسمى هذه السورة بسورة القمر ، وبسورة اقتربت الساعة ، وتسمى بسورة اقتربت ، حكاية لأول كلمة افتتحت بها .

روى الإمام مسلم وأهل السنن عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بسورتي " ق " و " اقتربت الساعة " .

وعدد آياتها : خمس وخمسون آية وهي من السور المكية الخالصة –على الرأي الصحيح- ، وقيل : هي مكية إلا ثلاث آيات منها ، وهي قوله –تعالى- : [ أم يقولون نحن جميع منتصر . سيهزم الجمع ويولون الدبر . بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ] فإنها نزلت يوم بدر ، وهذا القيل لا دليل له يعتمد عليه .

ويرده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : أنزل الله –تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة قبل يوم بدر : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، وقال عمر بن الخطاب : قلت : يا رسول الله أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر ، وانهزمت قريش ، نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف ، وهو يقول : [ سيهزم الجمع ويولون الدبر ] فكانت ليوم بدر .

وبذلك نرى أن هذا الحديث ، وحديث عائشة السابق ، يدلان على أن هذه الآيات مكية –أيضا- ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قرأها في غزوة بدر على سبيل الاستشهاد بها .

3- والسورة الكريمة قد تحدثت في مطلعها عن اقتراب يوم القيامة ، وعن جحود المشركين للحق بعد إذ جاءهم ، وعما سيكونون عليه يوم القيامة من ندم وحسرة . قال –تعالى- [ اقتربت الساعة وانشق القمر . وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر . وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ] .

4- ثم تحدثت السورة الكريمة عن مصارع الغابرين ، فذكرت ما حل من هلاك ودمار ، بقوم نوح ، وهود ، ولوط –عليهم السلام- وما حل أيضا بفرعون وملئه من عقاب .

ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة ، ببيان مظاهر قدرته ، وبليغ حكمته ، ودقة نظامه في كونه ، وبشر المتقين بما يشرح صدورهم فقال –تعالى- : [ إنا كل شيء خلقناه بقدر . وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر . ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر . وكل شيء فعلوه في الزبر . وكل صغير وكبير مستطر . إن المتقين في جنات ونهر . في مقعد صدق عند مليك مقتدر ] .

5- والمتدبر في السورة الكريمة يراها قد اهتمت بالحديث عن أهوال يوم القيامة ، وعن تعنت المشركين وعنادهم ، وعن سنن الله –تعالى- في خلقه ، التي من أبرز مظاهرها ، نصر المؤمنين ، وخذلان الكافرين .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . .

دولة قطر – الدوحة

صباح السبت 27 جمادى الآخرة 1406 ه

8/3/1986 م

د . محمد سيد طنطاوي

افتتحت السورة الكريمة بهذا الافتتاح الذى يبعث فى النفوس الرهبة والخشية ، فهو يخبر عن قرب انقضاء الدنيا وزوالها .

إذ قوله - تعالى - : { اقتربت الساعة } أى : قرب وقت حلول الساعة ، ودنا زمان قيامها .

والساعة فى الأصل : اسم لمدار قليل من الزمان غير معين ، وتحديدها بزمن معين اصطلاح عرفى ، وتطلق فى عرف الشرع على يوم القيامة .

وأطلق على يوم القيامة يوم الساعة ، لوقوعه بغتة ، أو لسرعة ما فيه من الحساب ، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله - تعالى - .

وقد وردت أحاديث كثيرة ، تصرح بأن ما مضى من الدنيا كثير بالنسبة لما بقى منها ، ومن هذه الأحاديث ما رواه البزار عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب . . فقال : " والذي نفسى بيده ما بقى من الدنيا فيما مضى منها ، إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى منه " " .

وروى الشيخان عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى .

وشبيه بهذا الافتتاح قوله - تعالى - : فى مطلع سورة الأنبياء : { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } وقوله - سبحانه - فى افتتاح سورة النحل : { أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } والمقصود من هذا الافتتاح المتحدث عن قرب يوم القيامة ، تذكير الناس بأهوال هذا اليوم ، وحضهم على حسن الاستعداد لاستقباله عن طريق الإيمان والعمل الصالح .

وقوله - تعالى - : { وانشق القمر } معطوف على ما قبله عطف جملة على جملة .

وقوله : { وانشق } من الانشقاق بمعنى الافتراق والانفصال .

أى : اقترب وقت قيام الساعة ، وانفصل وانفلق القمر بعضه عن بعض فلقتين ، معجزة للنبى - صلى الله عليه وسلم - ، وكان ذلك بمكة قبل هجرته - صلى الله عليه وسلم - بنحو خمس سنين ، وقد رأى هذا الانشقاق كثير من الناس .

وقد ذكر المفسرون كثيرا من الأحاديث فى هذا الشأن ، وقد بلغت الأحاديث مبلغ التواتر المعنوى .

قال الإمام ابن كثير : وهذا أمر متفق عليه بين العلماء - أى : انشقاق القمر- ، فقد وقع فى زمان النبى - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .

ثم ذكر - رحمه الله - جملة من الأحاديث التى وردت فى ذلك ، ومنها ما رواه الشيخان عن أنس بن مالك قال : سأل أهل مكة النبى - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : { اقتربت الساعة وانشق القمر } .

وأخرج الإمام أحمد عن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فلقتين : فلقة على هذا الجبل وفلقة على هذا الجبل .

فقالوا : سحرنا محمد ، فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم .

وروى الشيخان عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقتين ، حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اشهدوا " .

وقال الآلوسى : بعد أن ذكر عددا من الأحاديث فى هذا الشأن : والأحاديث الصحيحة فى الانشقاق كثيرة ، واختلف فى تواتره ، فقيل : هو غير متواتر : وفى شرح المواقف أنه متواتر . وهو الذى اختاره العلامة السبكى ، فقد قال : الصحيح عندى أن انشقاق القمر متواتر ، منصوص عليه فى القرآن ، مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق شتى ، لا يمترى فى تواتره .

وقد جاءت أحاديثه فى روايات صحيحة ، عن جماعة من الصحابة ، منهم عل بن أبى طالب ، وأنس ، وابن مسعود . .

ثم قال - رحمه الله - بعد أن ذكر شبهات المنكرين لحادث الانشقاق : والحاصل أنه ليس عند المنكر سوى الاستبعاد ، ولا يستطيع أن يأتى بدليل على الاستحالة الذاتية ولو انشق ، والاستبعاد فى مثل هذه المقامات قريب من الجنون . عند من له عقل سليم .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مّسْتَمِرّ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة ، وقوله اقْتَرَبَتْ افتعلت من القُرب ، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة ، وقرب فناء الدنيا ، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم ، وهم عنها في غفلة ساهون .

وقوله : وَانْشَقّ القَمَرُ يقول جلّ ثناؤه : وانفلق القمر ، وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، قبل هجرته إلى المدينة ، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية ، فآراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر ، آية حجة على صدق قوله ، وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذّبوا ، وقالوا : هذا سحر مستمرّ ، سحرنا محمد ، فقال الله جلّ ثناؤه وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار ، وقال به أهل التأويل . ذكر الاَثار المروية بذلك ، والأخبار عمن قاله من أهل التأويل :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر مرّتين .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت قتادة يحدّث ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر فرقتين .

حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي ، قالا : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني يعقوب الدورقيّ ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يقول : فذكر مثله .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّتين .

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حِراء بينهما .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر بن شميل المازنيّ ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، قال : سمعت إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، قال تفلّق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين ، فكانت فرقة على الجبل ، وفرقة من ورائه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللّهُمّ اشْهَدْ » .

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، مثل حديث إبراهيم في القمر .

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثني عمي يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن رجل ، عن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، فانشقّ القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، قال : رأيت الجبل من فرج القمر حين انشقّ .

حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي ، قال : حدثنا يحيى بن حماد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن المُغيرة ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن عبد الله ، قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : هذا سحر بن أبي كَبْشَة سحركم فسلوا السّفّار ، فسألوهم ، فقالوا : نعم قد رأيناه ، فأنزل الله تبارك وتعالى : اقْتَرَبَتِ السّاعةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : قد مضى انشقاق القمر .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : عبد الله خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن محمد ، قال : نُبّئت أن ابن مسعود كان يقول : قد انشقّ القمر .

قال : أخبرنا ابن علية ، قال : أخبرنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السُلميّ ، قال : نزلنا المدائن ، فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي ، وحضرت معه ، فخطبنا حُذيفة ، فقال : ألا إن الله يقول اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أتستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بنيّ إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال ، ثم جاءت الجمعة الأخرى ، فحضرنا ، فخطب حُذيفة ، فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشقّ ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سَبق إلى الجنة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن قال : كنت مع أبي بالمدائن ، قال : فخطب أميرهم ، وكان عطاء يروي أنه حُذيفة ، فقال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، قد اقتربت الساعة وانشقّ القمر ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق من سبق إلى الجنة ، والغاية النار قال : فقلت لأبي : غدا السباق ، قال : فأخبره .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : انشقّ القمر ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن خارجة ، عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن ابن جُبَير ، عن أبيه وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انشقّ ونحن بمكة .

حدثنا محمد بن عسكر ، قال : حدثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم ، قالا : حدثنا بكر بن مضر ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عِرَاك ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثنا نصر بن عليّ ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : انشقّ القمر قبل الهجرة ، أو قال : قد مضى ذاك .

حدثنا إسحاق بن شاهين ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن علي ، عن ابن عباس بنحوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن علي ، عن ابن عباس أنه قال في هذه الاَية : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : ذاك قد مضى كان قبل الهجرة ، انشقّ حتى رأوا شِقّيه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ . . . إلى قوله : سِحْرٌ مُسْتَمِرٌ قال : قد مضى ، كان قد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمرّ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : رأوه منشقا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور وليث ، عن مجاهد اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ قال : انفلق القمر فلقتين ، فثبتت فلقة ، وذهبت فلقة من وراء الجبل ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اشْهَدُوا » .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد انشقّ القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصار فرقتين ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : «اشْهَدْ يا أبا بَكْرٍ » فقال المشركون : سحر القمر حتى انشقّ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ وإن القمر قد انشقّ ، وقد آذنت الدنيا بفراق ، اليوم المِضْمار ، وغدا السباق ، والسابق . من سبق إلى الجنة ، والغاية النار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ يحدث الله في خلقه ما يشاء .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم آية ، فانشقّ القمر بمكة مرّتين ، فقال : اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ القَمَرُ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَانْشَقّ القَمَرُ قد مضى ، كان الشقّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فأعرض عنه المشركون ، وقالوا : سحْر مستمرّ .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن عمرو ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : مضى انشقاق القمر بمكة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ} (1)

مقدمة السورة:

اسمها بين السلف { سورة اقتربت الساعة } . ففي حديث أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة في الفطر والأضحى ، وبهذا الاسم عنون لها البخاري في كتاب التفسير .

وتسمى { سورة القمر } وبذلك ترجمها الترمذي . وتسمى { سورة اقتربت } حكاية لأول كلمة فيها .

وهي مكية كلها عند الجمهور ، وعن مقاتل : أنه استثنى منها قوله تعالى { أم يقولون نحن جميع منتصر } إلى قوله { وأمر } قال : نزل يوم بدر ولعل ذلك من أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية يوم بدر .

وهي السورة السابعة والثلاثون في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة الطارق وقبل سورة ص .

وعدد آيها خمس وخمسون باتفاق أهل العدد .

وسبب نزولها ما رواه الترمذي عن أنس بن مالك قال سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة فنزلت { اقتربت الساعة وانشق القمر } إلى قوله { سحر مستمر } .

وفي أسباب النزول للواحدي بسنده إلى عبد الله بن مسعود قال : انشق القمر على عهد محمد صلى الله عليه وسلم فقالت قريش هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم ، فسألوا السفار ، فقالوا نعم قد رأينا ، فأنزل الله عز وجل { اقتربت الساعة وانشق القمر } الآيات .

وكان نزولها في حدود سنة خمس قبل الهجرة ففي الصحيح أن عائشة قالت : أنزل على محمد بمكة وإني لجارية ألعب { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } .

وكانت عقد عليها في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين ، أي في أواخر سنة أربع قبل الهجرة بمكة ، وعائشة يومئذ بنت ست سنين ، وذكر بعض المفسرين أن انشقاق القمر كان سنة خمس قبل الهجرة وعن ابن عباس كان بين نزول آية { سيهزم الجمع ويلون الدبر } وبين بدر سبع سنين .

أغراض هذه السورة

تسجيل مكابرة المشركين في الآيات المبينة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابرتهم .

وإنذارهم باقتراب القيامة وبما يلقونه حين البعث من الشدائد .

وتذكيرهم بما لقيته الأمم أمثالهم من عذاب الدنيا لتكذيبهم رسل الله وأنهم سيلقون مثل ما لقي أولئك إذ ليسوا خيرا من كفار الأمم الماضية .

وإنذارهم بقتال يهزمون به ، ثم لهم عذاب الآخرة وهو أشد .

وإعلامهم بإحاطة الله علما بأفعالهم وأنه مجازيهم شر الجزاء ومجاز المتقين خير الجزاء . وإثبات البعث ، ووصف بعض أحواله .

وفي خلال ذلك تكرير التنويه بهدي القرآن وحكمته .

من عادة القرآن أن ينتهز الفرصة لإِعادة الموعظة والتذكير حين يتضاءل تعلق النفوس بالدنيا ، وتُفكّر فيما بعد الموت وتُعير آذانها لداعي الهدى . فتتهيأ لقبول الحق في مظانّ ذلك على تفاوت في استعدادها وكم كان مثل هذا الانتهاز سبباً في إيمان قلوب قاسية ، فإذا أظهر الله الآيات على يد رسوله صلى الله عليه وسلم لتأييد صدقه شفع ذلك بإعادة التذكير كما قال تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } [ الإسراء : 59 ] .

وجمهورُ المفسرين على أن هذه الآية نزلت شاهدة على المشركين بظهور آية كبرى ومعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي معجزة انشقاق القمر . ففي « صحيح البخاري » و « جامع الترمذي » عن أنس بن مالك قال : « سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر » . زاد الترمذي عنه « فانشق القمر بمكة فِرقتين ، فنزلت : { اقتربت الساعة وانشق القمر } إلى قوله : { سحر مستمر } [ القمر : 2 ] .

وفي رواية الترمذي عن ابن مسعود قال : « بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنَى فانشق القمر .

وظاهره أن ذلك في موسم الحج . وفي « سيرة الحلبي » كان ذلك ليلة أربع عشرة ( أي في آخر ليالي منى ليلة النفْر ) . وفيها « اجتمع المشركون بمنى وفيهم الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ، والعاصي بن وائل ، والعاصي بن هشام ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن عبد المطلب ، وزمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم إن كنتَ صادقاً فشُقّ لنا القمر فرقتين فانشق القمر » .

والعمدة في هذا التأويل على حديث عبد الله بن مسعود في « الصحيح » قال : " انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بِمنى فانشق فرقتين فرقةً فوق الجَبل وفرقة دونه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا اشهَدوا " . زاد في رواية الترمذي عنه « يعني { اقتربت الساعة وانشق القمر } . قلت : وعن ابن عباس نصفٌ على أبي قُبيس ونصفٌ على قُعَيْقِعَان .

وروي مثله عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وحذيفةَ بن اليمان وأنس بن مالك وجبير بن مطعم ، وهؤلاء لم يشهدوا انشقاق القمر لأن من عدا علياً وابن عباس وابنَ عمر لم يكونوا بمكة ولم يسلموا إلا بعد الهجرة ولكنهم ما تكلموا إلا عن يقين .

وكثرة رواة هذا الخبر تدل على أنه كان خبراً مستفيضاً . وقال في « شرح المواقف » : هو متواتر . وفي عبارته تسامح لعدم توفر شرط التواتر . ومراده : أنه مستفيض .

وظاهر بعض الروايات لحديث ابن مسعود عند الترمذي أن الآية نزلت قبل حصول انشقاق القمر الواقع بمكة لمّا سأل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أو سألوه انشقاق القمر فأراهم انشقاق القمر وإنما هو انشقاق يحصل عند حلول الساعة .

وروي هذا عن الحسن وعطاء وهو المعبر عنه بالخسوف في سورة القيامة ( 7 ، 8 ) { فإذا برق البصر وخسف القمر } الآية .

وهذا لا ينافي وقوع انشقاق القمر الذي سأله المشركون ولكنه غير المراد في هذه الآية لكنه مؤوّل بما في روايته عند غير الترمذي .

ولحديث أنس بن مالك أن الآية نزلت بعد انشقاق القمر .

وعلى جميع تلك الروايات فانشقاق القمر الذي هو معجزة حصل في الدنيا . وفي البخاري عن ابن مسعود أنه قال : « خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقَمر والدخان . وعن الحسن وعطاء أن انشقاق القمر يكون عند القيامة واختاره القشيري ، وروي عن البلخي . وقال الماوردي : هو قول الجمهور ، ولا يعرف ذلك للجمهور .

وخبر انشقاق القمر معدود في مباحث المعجزات من كتب « السيرة » و« دلائل النبوة » .

وليس لفظ هذه الآية صريحاً في وقوعه ولكن ظاهر الآية يقتضيه كما في « الشفاء » .

فإن كان نزول هذه الآية واقعاً بعد حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث ابن مسعود في « جامع الترمذي » فتصدير السورة ب { اقتربت الساعة } للاهتمام بالموعظة كما قدمناه آنفاً إذ قد تقرر المقصود من تصديق المعجزة .

فجعلت تلك المعجزة وسيلة للتذكير باقتراب الساعة على طريقة الإِدماج بمناسبة أن القمر كائن من الكائنات السماوية ذات النظام المساير لنظام الجو الأرضي فلما حدث تغير في نظامه لم يكن مألوفاً ناسب تنبيه الناس للاعتبار بإمكان اضمحلال هذا العالم ، وكان فعل الماضي مستعملاً في حقيقته . وروي أن حذيفة بن اليمان قرأ { وقد انشق القمر } .

وإن كان نزولها قبل حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث أنس بن مالك فهو إنذار باقتراب الساعة وانشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة ومع الإِيماء إلى أن الانشقاق سيكون معجزة لما يسأله المشركون . ويرجح هذا المحمل قوله تعالى عقبه : { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } [ القمر : 2 ] كما سيأتي هنالك .

وإذ قد حمل معظم السلف من المفسرين ومن خلفهم هذه الآية على أن انشقاق القمر حصل قبل نزولها أو بقرب نزولها فبنا أن نبين إمكان حصول هذا الانشقاق مسايرين للاحتمالات الناشئة عن روايات الخبر عن الانشقاق إبطالاً لجحد الملحدين ، وتقريباً لفهم المصدقين .

فيجوز أن يكون قد حدث خسف عظيم في كرة القمر أحدث في وجهه هوة لاحت للناظرين في صورة شقه إلى نصفين بينهما سواد حتى يخيل أنه منشق إلى قمرين ، فالتعبير عنه بالانشقاق مطابق للواقع لأن الهوة انشقاق وموافق لمرأى الناس لأنهم رأوه كأنه مشقوق .

ويجوز أن يكون قد حصل في الأفق بين سمت القمر وسمت الشمس مرور جسم سماوي من نحو بعض المذنبات حجب ضوء الشمس عن وجه القمر بمقدار ظل ذلك الجسم على نحو ما يسمى بالخسوف الجُزئيّ ، وليس في لفظ أحاديث أنس بن مالك عند مسلم والترمذي ، وابن مسعود وابن عباس عند البخاري ما يناكد هذا .

ومن الممكن أن يكون هذا الانشقاق حدثاً مركباً من خسوف نصفي في القمر على عادة الخسوف فحجب نصف القمر ، والقمر على سمت أحد الجبلين وقد حصل في الجو ساعتئذٍ سحاب مائي انعكس في بريق مائه صورة القمر مخسُوفاً بحيث يخاله الناظر نصفاً آخر من القمر دون كسوف طالعاً على جهة ذلك الجبل ، وهذا من غرائب حوادث الجوّ . وقد عُرفت حوادث من هذا القبيل بالنسبة لأشعة الشمس ، ويجوز أن يحدث مثلها بالنسبة لضوء القمر على أنه نادر جداً وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى : { وإذ نتقنا الجبل فوقهم } في سورة الأعراف ( 171 ) .

ويؤيد هذا ما أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كسف القمر على عهد رسول الله فقالوا : سحر القمر فنزلت { اقتربت الساعة } الآية فسماه ابن عباس كسوفاً تقريباً لنوعه .

وهذا الوجه لا ينافي كون الانشقاق معجزة لأن حصوله في وقت سؤالهم من النبي صلى الله عليه وسلم آيةً وإلهام الله إياهم أن يسألوا ذلك في حين تقدير الله كاف في كونه آيةً صدق . أو لأن الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتحدّاهم به قبلَ حصوله دليل على أنه مرسل من الله إذ لا قبل للرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة أوقات ظواهر التغيرات للكواكب . وبهذا الوجه يظهر اختصاص ظهور ذلك بمكة دون غيرها من العالم ، وإما على الوجه الأول فإنما لم يَشعُر به غيرُ أهل مكة من أهل الأرض لأنهم لم يكونوا متأهبين إليه إذ كان ذلك ليلاً وهو وقت غفلة أو نوم ولأن القمر ليس ظهوره في حد واحد لأهل الأرض فإن مواقيت طلوعه تختلف باختلاف البلدان في ساعات الليل والنهار وفي مسامتة السماء .

قال ابن كيسان : هو على التقديم والتأخير . وتقديره : انشق القمر واقتربت الساعة ، أي لأن الأصل في ترتيب الأخبار أن يجري على ترتيبها في الوقوع وإن كان العطف بالواو لا يقتضي ترتيباً في الوقوع .

{ وانشق } مطاوع شقه ، والشق : فرج وتفرّق بين أديم جسم مَّا بحيث لا تنفصل قطعة مجموع ذلك الجسم عن البقية ، ويُسمى أيضاً تصدعاً كما يقع في عُود أو جدار .

فإطلاق الانشقاق على حدوث هوة في سطح القمر إطلاق حقيقي وإطلاقه على انطماس بعض ضوئه استعارة ، وإطلاقه على تفرقة نصفين مجاز مرسل .

والاقتراب أصله صيغة مطاوعة ، أي قبول فعل الفاعل ، وهو هنا للمبالغة في القرب فإن حمل على حقيقة القرب فهو قرب اعتباري ، أي قرب حلول الساعة فيما يأتي من الزمان قرباً نسبياً بالنسبة لما مضى من الزمان ابتداء من خلق السماء والأرض على نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم .

" بعثت أنا والساعةَ كهاتين " وأشار بسبابته والوسطى فإن تحديد المدة من وقت خلق العالم أو من وقت خلق الإِنسان أمر لا قبل للناس به وما يوجد في كتب اليهود مبنى على الحدس والتوهمات ، قال ابن عطية : « وكل ما يروى من التحديد في عُمر الدنيا فضعيف واهن » اهـ .

وفائدة هذا الاعتبار أن يقبل الناس على نبذ الشرك وعلى الاستكثار من الأعمال الصالحات واجتناب الآثام لقرب يوم الجزاء .

والساعة : علم بالغلبة على وقت فناء هذا العالم . ويجوز أن يراد بالساعة ساعة معهودة أنذروا بها في آيات كثيرة وهي ساعة استئصال المشركين بسيوف المسلمين .

وإن حمل القرب على المجاز ، أي الدلالة على الإمكان ، فالمعنى : اتضح للناس ما كانوا يجدونه محالاً من فناء العالم فإن لحصول المُثُل والنظائر إقناعاً بإمكان أمثالها التي هي أقوى منها .

وعطفُ { وانشق القمر } عطفُ جملة على جملة .

والخبر مستعمل في لازم معناه وهو الموعظة إن كانت الآية نزلت بعد انشقاق القمر كما تقدم لأن علمهم بذلك حاصل فليسوا بحاجة إلى إفادتهم حكم هذا الخبر وإنما هم بحاجة إلى التذكير بأن من أمارات حلول الساعة أن يقع خسف في القمر بما تكررت موعظتهم به كقوله تعالى : { فإذا برق البصر وخسف القمر } [ القيامة : 7 ، 8 ] الآية إذ ما يأمنهم أن يكون ما وقع من انشقاق القمر أمارة على اقتراب الساعة فما الانشقاق إلا نوع من الخسف فإن أشراط الساعة وعلاماتها غير محدودة الأزمنة في القرب والبعد من مشروطها .