تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (249)

{ فلما فصل طالوت بالجنود } ، وهم مائة ألف إنسان ، فسار في حر شديد ، { فلما فصل طالوت بالجنود } { قال إن الله } عز وجل { مبتليكم بنهر } بين الأردن وفلسطين ، { فمن شرب منه فليس مني } ، يقول : ليس معي على عدوى ، كقول إبراهيم ، عليه السلام : { فمن تبعني فإنه مني } ( إبراهيم : 36 ) ، يعني معي ، { ومن لم يطعمه فإنه مني } ، فإنه معي على عدوى ، ثم استثنى ، فقال : { إلا من اغترف غرفة بيده } ، الغرفة يشرب منها الرجل وخدمه ودابته ويملأ قربته ، ووصلوا إلى النهر من مفازة ، وأصابهم العطش ، فلما رأى الناس الماء ابتدروا فوقعوا فيه ، { فشربوا منه إلا قليلا منهم } ، والقليل ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، عدة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر .

{ فلما جاوزه } ، أي جاوز النهر { هو } ، يعني طالوت ، { والذين آمنوا معه } ، وكلهم مؤمنون ، فقال العصاة الذين وقعوا في النهر : { قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } فرد عليهم أصحاب الغرفة ، { قال الذين يظنون } ، يعني الذين يعلمون ، كقوله سبحانه : { وظن أنه الفراق } ( القيامة : 28 ) يعني وعلم ، وكقوله عز وجل : { فظنوا أنهم مواقعوها } ( الكهف : 53 ) ، وكقوله عز وجل : { ألا يظن أولئك } ( المطففين : 4 ) ، أي ألا يعلم { أنهم ملاقوا الله } ، لأنهم قد طابت أنفسهم بالموت ، { كم من فئة } ، يعني جند { قليلة } عددهم ، { غلبت فئة كثيرة } عددهم { بإذن الله والله مع الصابرين } يعني بني إسرائيل في النصر على عدوهم ، فرد طالوت العصاة وسار بأصحاب الغرفة حتى عاينوا العدو .