{ فَبَعَثَ اللَّهُ } غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله عليه حتى مكّن له ثم ألقاه في الحفيرة وواراه . وقابيل ينظر إليه فلما رأى ذلك { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } أي جيفته وفيه دليل على أن الميت كلّه عورة { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } على حمله لا على قتله ، وقيل : على موت أخيه لا على ركوب الذنب .
يدل عليه ما أخبر الأوزاعي عن المطلب بن عبد اللّه المخزومي قال : لما قتل ابن آدم أخاه رجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء ، فناداه اللّه : أين أخوك هابيل ؟ قال : ما أدري ، ما كنت عليه رقيباً ، فقال اللّه عز وجل : إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض فلم قتلت أخاك ؟ فأين دمه إن كنت قتلته ؟ ومنع اللّه عز وجل على الأرض يومئذ أن تشرب دماً بعدها أبداً .
مقاتل بن الضحّاك عن ابن عباس قال : لما قتل قابيل هابيل وآدم بمكّة أشتال الشجر وتغيّرت الأطعمة وحمضت الفواكه : وأمرّ الماء واغبرّت الأرض .
فقال آدم ( عليه السلام ) : قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا بقابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول ، وهو أوّل من قال الشعر :
تغيرت البلاد ومن عليها *** ووجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون وطعم *** وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : من قال إن آدم قال شعراً فقد كذب على اللّه ورسوله ورمى آدم بالمآثم ، إنّ محمداً صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم صلوات اللّه عليهم في النهي عن الشعر سواء ، قال اللّه تعالى
{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } [ يس : 69 ] ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سرياني ، وإنما يقول الشعر من تكلّم بالعربية فلمّا قال آدم مرثية في إبنه هابيل ، وهو أوّل شهيد كان على وجه الأرض . قال آدم لابنه شيث : وهو أكبر ولده ووصيّه : يا بني إنّك وصيي ، إحفظ هذا الكلام ليتوارث فلم يزل يقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط بالعربية ، وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فإذا هو سجع ، فقال إن هذا ليقوّم شعراً فرّد المقدم إلى آخره والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعراً وما زاد فيه ولا نقص حرفاً من ذلك قال :
تغيّرت البلاد ومن عليها *** ووجه الأرض مغبرّ قبيح
تغير كل ذي طعم ولون *** وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
وقابيل أذاق الموت هابي *** ل فواحزني لقد فقد المليح
ومالي لا أجود بسكب دمع *** وهابيل تضمنّه الضريح
بقتل ابن النبي بغير جرم *** قلبي عند قلبه جريح
أرى طول الحياة عليّ غمّاً *** وهل أنا من حياتي مستريح
فجاورنا عدوّاً ليس يفنى *** عدوماً يموت فنستريح
دع الشكوى فقد هلكا جميعاً *** بهالك ليس بالثمن الربيح
وما يغني البكاء عن البواكي *** إذا ما المرء غيّب في الضريح
فبكّ النفس منك ودع هواها *** فلست مخلداً بعد الذبيح
فأجابه إبليس في جوف الليل شامتاً :
تنحّ عن البلاد وساكنيها *** فتىً في الخلد ضاق بك الفسيح
فكنت بها وزوجك في رخاء *** وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما انفكت مكايدي ومكري *** إلى أن فاتك الخلد الرّبيح
فلولا رحمة الجبّار أضحى *** بكفك من جنان الخلد ريح
وقال سالم بن أبي الجعد : لما قتل هابيل مكث آدم ( عليه السلام ) مائة سنة لا أكثر .
ثم أتى فقيل : حيّاك اللّه وبياك أي ضحّكك ، ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حوّاء شيثاً وتفسيره : هبة اللّه ، يعني إنه خلف من هابيل ، وعلّمه اللّه تعالى ساعات الليل والنهار وأعلمه عبادة الخلق في كل ساعة منها وأنزل عليه هبة اللّه وصار وصي آدم عليهما السلام وولي عهده ، وأما قابيل فقيل له : إذهب طريداً شريداً فزعاً مرهوباً لا يأمن من يراه فأخذ بيد أخته هبة اللّه ذهب بها إلى عدن من أرض اليمن ، فأتاه إبليس ، فقال له : إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبد النّار ويخدمها فانصب أنت ناراً يكون لك ولعقبك فنصب ناراً وهو أوّل من نصب ناراً وعبدها .
قالوا : كان لا يمرّ به أحداً من ولده إلاّ رماه ، فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن له فقال الأعمى : إنّ هذا أبوك قابيل فرمى الأعمى ابن قابيل فقتله . فقال ابن الأعمى : قتلت أباك . فرفع يده فلطم إبنه فمات قال الأعمى : ويل لي قتلت أبي برميتي وقتلت ابني بلطمتي .
قال مجاهد : فعلقت إحدى رجل قابيل إلى فخذه وساقه وعلقت يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيث أدارت عليه بالصيف حظيرة من نار وفي الشتاء حظيرة من ثلج ، قالوا : واتّخذ أولاد قابيل آلات اللهو من اليراع والطنبور ، والمزامير ، والعيدان ، والطنابر ، وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتى طوّفهم اللّه عز وجل بالطوفان أيام نوح ( عليه السلام ) وبقي نسل شيث .
قال عبد اللّه بن عمر : إنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار العذاب قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم .
الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن مسروق بن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقتل نفس مسلمة ظلماً إلاّ كان على ابن آدم ( الأوّل ) كفل من دمه ، لأنه أوّل من سنّ القتل " .
مسلم بن عبد اللّه عن سعيد بن صور عن أنس بن مالك قال : " سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن يوم الثلاثاء فقال : " يوم دم " قالوا : وكيف ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : " فيه حاضت حوّاء وقتل ابن آدم أخاه " .
وعن يحيى بن زهدم قال : حدّثني أبي عن أبيه عن أنس قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " " امتن اللّه عز وجل على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث ، بالريح بعد الروح فلولا إن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميماً ، وبالدودة في الحبة فلولا أن الدودة تقع في الحبة لأكنزها الملوك وكانت حباً من الدنانير والدراهم . وبالموت بعد الكبر ، فإن الرجل ليكبر حتى يمّل نفسه ويملّه أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أيسر له " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.