فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ} (31)

{ فبعث الله غرابا يبحث في الأرض } أي يحفرها وينثر ترابها وينبش بمنقاره برجليه ويثيره على غراب ميت معه حتى واراه { ليريه } الله أو الغراب { كيف يواري سوءة أخيه } أي عورته وجيفته وما لا يجوز أن ينكشف من جسده ، قيل : إنه لما قتل أخاه لم يدر كيف يواريه لكونه أول ميت مات من بني آدم ، فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثى عليه .

فلما رآه قابيل { قال يا ويلتا } كلمة تحسر وتحزن وتلهف وجزع ، والألف بدل من ياء المتكلم كأنه دعا ويلته أن تحضر في ذلك الوقت وتلزمه ، وقال الكرخي : أي يا هلاكي تعال ، والويلة الهلكة وتستعمل عند وقوع الداهية العظيمة ، وفيه اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب ، وأصل النداء أن يكون لمن يعقل وقد ينادى ما لا يعقل مجازا .

{ أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب } الذي وارى الغراب الآخر ، والكلام خارج مخرج تعجب منه من عدم اهتدائه لمواراة أخيه كما اهتدى الغراب إلى ذلك { فأواري سوءة أخي } يعني فأستر جيفته وعورته عن الأعين { فأصبح من النادمين } قيل لم يكن ندمه ندم توبة بل ندم لفقده لا على قتله وقيل غير ذلك .

روي أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض ، فالسودان من ولده وكان آدم يومئذ بمكة فاشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه فقال آدم قد حدث في الأرض حدث ، فأتى الهند فوجد قابيل قد قتل هابيل ، قال الزمخشري ويروى أنه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت ، وما الشعر إلا محول ملحون ، وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشعر .

قال الرازي : ولقد صدق صاحب الكشاف فيما قال فإن ذلك الشعر في غاية الركاكة لا يليق إلا بالحمقاء من المتعلمين فكيف ينسب إلى من جعل الله علمه حجة على الملائكة .