الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ} (31)

قوله تعالى : { فَبَعَثَ الله غُرَاباً . . . } [ المائدة :31 ] .

قيل : أصبح في ثاني يومٍ قتله يطلب إخفاء أَمْرِ قتله ، فلم يَدْرِ ما يصنعُ به ، فبعث اللَّه غراباً حيًّا إلى غرابٍ ميتٍ ، فجعل يبحَثُ في الأرض ، ويُلْقِي الترابَ على الغُرَاب الميِّت ، وظاهرُ الآية أنَّ هابيلَ هو أول مَيِّتٍ من بني آدم ، ولذلك جَهِلَ سُنَّة المواراةِ ، وكذلك حكى الطبريُّ ، عن ابن إسحاقَ ، عن بعض أَهْلِ العِلْمِ بما في الكُتُب الأَوَلِ ، و( السَّوْءَةُ ) : العورةُ ، ويحتمل أن يراد الحالة التي تَسُوء النَّاظر ، ثم إن قابيلَ وارى أخَاه ، ونَدِمَ على ما كان منه مِنْ معصية في قَتْله ، حيث لا ينفعه الندم .

واختلف العلماء في قابيلَ ، هل هو مِنَ الكُفَّار أو من العُصَاة ، والظاهر أنه من العُصَاة ، قال الفَخْر : ولم ينتفعْ قابيلُ بندمه ، لأن نَدَمَهُ كان لأسبابٍ ، منها : سخط أبويه وإخوته ، وعدمُ انتفاعه بقتله ، وَنَحْوُ ذلك ، ولما كان ندمه لهذه الأسبابِ ، لا لأجْلِ الخَوْف من اللَّه تعالى ، فلا جَرَمَ لم ينفعْهُ هذا الندَمُ .