غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (22)

21

ثم ضرب لأجل ما وصفهم به مثالاً حتى ينكشف المقصود تمام الانكشاف فقال : { هو الذي يسيركم } ومن قرأ { ينشركم } فكقوله : { فانتشروا في الأرض } [ الجمعة : 10 ] قال بعض العلماء : المسير في البحر هو الله سبحانه وتعالى ، وأما في البر فالمراد من التسيير التمكين والإقدار . والحق أن جميع الأفعال والحركات مستندة إلى إحداث الله تعالى ، غاية ذلك أن آثار إقداره وإحداثه في البحر أظهر كما مر في تفسير قوله : { والفلك التي تجري في البحر } [ البقرة : 164 ] قال القفال : هو الله الهادي لكم إلى السير في البحر طلباً للمعاش ، وهو المسير لكم لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير . وحتى لانتهاء الغاية والغاية مضمون الجملة الشرطية بكمالها ، فالقيود المعتبرة في الشرط ثلاثة : أولها الكون في الفلك ، وثانيها جري الفلك بهم بالريح الطيبة ، والضمير في { جرين } للفلك على أنها جمع كما مر . وثالثها فرحهم بها . والقيود المعتبرة في الجزاء ثلاثة أيضاً : أوّلها { جاءتها } أي الفلك أو الريح الطيبة تلتها ريح عاصف ذات عصوف كلابن لذات اللبن ، أو لأن لفظ الريح مذكر والعصوف شدة هبوب الريح . وثانيها { وجاءهم الموج من كل مكان } أي من جميع جوانب أحياز الفلك ، والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر . وثالثها { وظنوا أنهم أحيط بهم } أي غلب على ظنونهم الهلاك . وأصله أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فقد دنوا من البوار ، فجعل إحاطة العدوّ بالشخص مثلاً في الهلاك . وقرئ { في الفلكي } والياء زائدة كما في «الأحمري » أو أريد به الماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه . قال في الكشاف : وإنما التفت في قوله : { وجرين بهم } إلى آخره من الخطاب إلى الغيبة للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح . وقال الإمام فخر الدين الرازي : الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذه الآية دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في قوله : { إياك نعبد } [ الفاتحة : 5 ] دليل الرضا والتقريب . قلت : هذا وجه حسن . أما قوله : { دعوا الله مخلصين } فقد قال ابن عباس : تركوا الشرك ولم يشركوا به من آلهتهم شيئاً ، وأقروا لله بالربوبية والوحدانية . وقال الحسن : ليس هذا إخلاص الإيمان لكن لأجل العلم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله فيكون ذلك جارياً مجرى الإيمان الاضطراري . وقال ابن زيد : هؤلاء المشركون يدعون مع الله ما يدعون ، فإذا جاء الضر والألم لم يدعوا إلا الله . وعن أبي عبيدة : أن المراد من ذلك الدعاء قولهم : «أهيا شراهياً » تفسيره «يا حي يا قيوم » يحكى أن رجلاً قال لجعفر الصادق رضي الله عنه : ما الدليل على إثبات الصانع ؟ فقال : أخبرني عن حرفتك . فقال : التجارة في البحر قال : صف لي كيف حالك ؟ فقال : ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح من ألواحها وجاءت الرياح العاصفة . قال جعفر الصادق رضي الله عنه : هل وجدت في قلبك تضرعاً ؟ فقال : نعم . قال جعفر : فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت . { لئن أنجيتنا من هذه } الشدة كما مر في الأنعام .

/خ30