جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمۡ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَيۡنَ بِهِم بِرِيحٖ طَيِّبَةٖ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتۡهَا رِيحٌ عَاصِفٞ وَجَآءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ أُحِيطَ بِهِمۡ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنۡ أَنجَيۡتَنَا مِنۡ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (22)

{ هو{[2151]} الذي يسيركم } يمكنكم من السير ويحفظكم ، { في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك } في السفن ، { وجرين } الضمير للفك لأنه جع فلك ، { بهم } عدل إلى الغيبة{[2152]} للمبالغة كأنه يذكرهم لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ، { بريح طيبة وفرحوا بها } لاستوائها ولينها ، { جاءتها } ، أي تلك السفن جواب لإذا ، { ريح عاصف } أي : ذات عصف يعني شديدة قيل العاصف كالحائض مخصوص بالريح فلذا لم يقل عاصفة أو الريح يذكر ويؤنث ، { وجاءهم الموج من كل مكان } من جميع الأطراف ، { وظنوا أنهم أحيط{[2153]} بهم } فلا يمكن لهم الخلاص ، { دعوا الله } بدل اشتمال من ظنوا أو استئناف جواب ماذا صنعوا بعد هذه الحالة وما قيل هو جواب للشرط وجاءتها حال فليس بشيء ، { مخلصين له{[2154]} الدين } ، مفعول مخلصين أي : تركوا الشرك فلم يدعوا إلا الله ، { لئن أنجيتنا } ، أي : قائلين أو مفعول دعوا لأنه من جملة القول ، { من هذه } ، الريح والشدة ، { لنكونن من الشاكرين } .


[2151]:و لما بين أن الناس إذا أصابهم الضر لجئوا إلى الله و إذا أذاقهم الرحمة عادوا إلى عادتهم وكان المذكور إبرازه في صورة أمر كلي أوضح ذلك بمثال جلي ككاشف عن حقيقة ذاك الكلي فقال: "هو الذي" الآية/ وجيز12.
[2152]:من الخطاب: "بقوله إذا كنتم"/منه.
[2153]:أي: دنوا من الهلاك وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة.
[2154]:قال الرازي: يعني أن الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضل الله ورحمته ويصير منقطع الطمع عن جميع الخلق ويصير بقلبه وروحه وجميع أجزائه متضرعا إلى الله تعالى، ثم إذا أنجاه الله نسي تلك النعمة ويرجع إلى ما ألفه واعتاده من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة. وفي الفتح: وفي هذا دليل على أن الخلق جلبوا على الرجوع إلى الله في الشدائد وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا أو في هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما شابهها فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات، فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا الدعاء به كما فعله المشركون كما تواترت إلينا تواترا يحصل به القطع فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية وأن وصل بها أهلها و إلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمح في مثله ولا في بعضه من عباد الأصنام فإنا لله وإنا إليه راجعون/فتح.