التفسير : لما بين خلق الإنسان وتقلبه في أطوار مراتب العمر ، أراد أن يذكره طرفاً من سائر أحواله لعله يتذكر ، فقال : { والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق } ، ولا ريب أن ذلك أمر مقسوم من قبل القسام ، وإلا لم يكن الغافر رخي البال ، والعاقل ردي الحال ، وليس هذا التفاوت مختصاً بالمال ، وإنما هو حاصل في الحسن والقبح والصحة والسقم ، وغير ذلك ، فلرب ملك تقاد الجنائب بين يديه ، ولا يمكنه ركوب واحدة منها ، وربما أحضرت الأطعمة الشهية والفواكه العطرة عنده ولا يقدر على تناول شيء منها ، وربما نرى إنساناً كامل القوة ، صحيح المزاج ، شديد البطش ، ولا يجد ملء بطنه طعاماً . وللمفسرين في الآية قولان : أحدهما : أن المراد تقرير كون السعادة والنحوسة ، والغنى والفقر ، بقسمة الله تعالى ، وأنه جعل بعض الناس موالي ، وبعضهم مماليك ، وليس المالك رازقاً للعبد ، وإنما الرازق للعبد والمولى هو الله ، فلا تحسبن الموالي المفضلين أنهم يرزقون مماليكهم من عندهم شيئاً من الرزق ، وإنما ذلك رزقي لهم أجريته لهم على أيديهم . وثانيهما : أن المراد : الرد على من أثبت لله شريكاً كالصنم أو كعيسى ، فضرب له مثلاً فقال : أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ، ولا تردّون رزقكم عليهم ، حتى تتساووا في المطعم والملبس . فالفاء في قوله : { فهم فيه سواء } ، للتعليل . ولك أن تقول بمعنى : " حتى " ، أي حتى يكون عبيدهم معهم سواء في الرزق ، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء ؟ ! " عن أبي ذر رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العبيد : " إنما هم إخوانكم ، فاكسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تطعمون " . فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه ، وإزاره إزاره ، من غير تفاوت . { أفبنعمة الله } ، وهي أنه جعلهم موالي مفضلين ، لا عبيداً مفضولين . { يجحدون } ، أو جعل عدم التسوية بينهم وبين عبيدهم من جملة جحود النعمة ، أو جعل اعتقاد أهلية العبادة لغير الله كفراً بنعمة الله ، والجحود في معنى الكفران فلذلك عداه بالباء . قال أبو عبيدة وأبو حاتم . قراءة الغيبة - وهي الكثرى - أولى ؛ لقرب المخبر عنه ، ولأنه لو كان خطاباً ، كان ظاهره للمسلمين ، وإنهم لا يخاطبون بجحد نعمة البتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.