غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلرِّزۡقِۚ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزۡقِهِمۡ عَلَىٰ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَهُمۡ فِيهِ سَوَآءٌۚ أَفَبِنِعۡمَةِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ} (71)

71

التفسير : لما بين خلق الإنسان وتقلبه في أطوار مراتب العمر ، أراد أن يذكره طرفاً من سائر أحواله لعله يتذكر ، فقال : { والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق } ، ولا ريب أن ذلك أمر مقسوم من قبل القسام ، وإلا لم يكن الغافر رخي البال ، والعاقل ردي الحال ، وليس هذا التفاوت مختصاً بالمال ، وإنما هو حاصل في الحسن والقبح والصحة والسقم ، وغير ذلك ، فلرب ملك تقاد الجنائب بين يديه ، ولا يمكنه ركوب واحدة منها ، وربما أحضرت الأطعمة الشهية والفواكه العطرة عنده ولا يقدر على تناول شيء منها ، وربما نرى إنساناً كامل القوة ، صحيح المزاج ، شديد البطش ، ولا يجد ملء بطنه طعاماً . وللمفسرين في الآية قولان : أحدهما : أن المراد تقرير كون السعادة والنحوسة ، والغنى والفقر ، بقسمة الله تعالى ، وأنه جعل بعض الناس موالي ، وبعضهم مماليك ، وليس المالك رازقاً للعبد ، وإنما الرازق للعبد والمولى هو الله ، فلا تحسبن الموالي المفضلين أنهم يرزقون مماليكهم من عندهم شيئاً من الرزق ، وإنما ذلك رزقي لهم أجريته لهم على أيديهم . وثانيهما : أن المراد : الرد على من أثبت لله شريكاً كالصنم أو كعيسى ، فضرب له مثلاً فقال : أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ، ولا تردّون رزقكم عليهم ، حتى تتساووا في المطعم والملبس . فالفاء في قوله : { فهم فيه سواء } ، للتعليل . ولك أن تقول بمعنى : " حتى " ، أي حتى يكون عبيدهم معهم سواء في الرزق ، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء ؟ ! " عن أبي ذر رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العبيد : " إنما هم إخوانكم ، فاكسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تطعمون " . فما رؤي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه ، وإزاره إزاره ، من غير تفاوت . { أفبنعمة الله } ، وهي أنه جعلهم موالي مفضلين ، لا عبيداً مفضولين . { يجحدون } ، أو جعل عدم التسوية بينهم وبين عبيدهم من جملة جحود النعمة ، أو جعل اعتقاد أهلية العبادة لغير الله كفراً بنعمة الله ، والجحود في معنى الكفران فلذلك عداه بالباء . قال أبو عبيدة وأبو حاتم . قراءة الغيبة - وهي الكثرى - أولى ؛ لقرب المخبر عنه ، ولأنه لو كان خطاباً ، كان ظاهره للمسلمين ، وإنهم لا يخاطبون بجحد نعمة البتة .

/خ83