غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (67)

61

وأما قوله : { ومن ثمرات النخيل والأعناب } ، فإما أن يتعلق بمحذوف ، أي : ونسقيكم من ثمرات النخيل ومن الأعناب إذا عصرت ، وحذف لدلالة ما تقدم عليه ، فيكون قوله : { تتخذون منه } ، بياناً وكشفاً عن كنه حقيقة الاستقاء . وإما أن يتعلق ب { تتخذون } ، فيكون قوله : { منه } ، تكريراً للظرف ؛ لأجل التأكيد ، نظيره قولك : " زيد في الدار فيها " ، وإنما ذكر الضمير في : { منه } ؛ لأنه يعود إلى المذكور ، أو إلى المضاف المحذوف ، الذي هو العصير ، كأنه قيل : ومن عصير ثمرات النخيل ومن عصير الأعناب ، تتخذون منه ، واحتمل أن يكون : { تتخذون } ، صفة موصوف محذوف ، كقوله : { وما منا إلا له مقام معلوم } [ الصافات : 164 ] ، أي : وما منا إلا ملك ، فالتقدير : ومن ثمرات النخيل ومن الأعناب ثمر . { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } ؛ لأنهم يأكلون بعضها ، ويتخذون من بعضها السكر ، وهو : الخمر ، سميت بالمصدر من : سكر سكراً وسكراً ، نحو : رشد رشداً ورشداً . وعلى هذا التفسير ففي الآية قولان : أحدهما - ويروى عن الشعبي والنخعي - : أنها منسوخة ، فإن السورة مكية ، وتحريم الخمر نزل في المائدة ، وهي مدنية ، وثانيهما : أنها جامعة بين العتاب والمنة . وذكر المنفعة لا ينافي الحرمة ، على أن في الآية تنبيهاً على الحرمة أيضاً ؛ لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب في السكر ، أن لا يكون رزقاً حسناً ، لا بحسب الشهوة بل بحسب الشريعة . هذا ما عليه الأكثرون . وقيل : السكر : النبيذ ، وهو : عصير العنب ، والزبيب ، والتمر ، إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ، ثم يترك حتى يشتد ، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر . واحتج بأن الآية دلت على أن السكر حلال ؛ لأنه تعالى ذكره في معرض الإنعام والمنة ، ودل الحديث على أن الخمر حرام لعينها ، وهذا يقتضي أن يكون السكر شيئاً غير الخمر ، وكل من أثبت هذه المغايرة ، قال : إنه النبيذ المطبوخ . ويحكى عن أبي علي الجبائي أنه صنف كتاباً في تحليل النبيذ ، فلما آخذت منه السن العالية ، قيل له : لو شربت منه ما تتقوّى به ، فأبى ، فقيل له : فقد صنفت في تحليله . فقال : تناولته أيدي الشيطان ، فقبح عند ذوي المروءات والأقدار . وقيل : السكر : الطعم ، قاله أبو عبيدة . وقيل : السكر والرزق الحسن واحد ، كأنه قيل : تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن .

/خ70