وأما قوله : { ومن ثمرات النخيل والأعناب } ، فإما أن يتعلق بمحذوف ، أي : ونسقيكم من ثمرات النخيل ومن الأعناب إذا عصرت ، وحذف لدلالة ما تقدم عليه ، فيكون قوله : { تتخذون منه } ، بياناً وكشفاً عن كنه حقيقة الاستقاء . وإما أن يتعلق ب { تتخذون } ، فيكون قوله : { منه } ، تكريراً للظرف ؛ لأجل التأكيد ، نظيره قولك : " زيد في الدار فيها " ، وإنما ذكر الضمير في : { منه } ؛ لأنه يعود إلى المذكور ، أو إلى المضاف المحذوف ، الذي هو العصير ، كأنه قيل : ومن عصير ثمرات النخيل ومن عصير الأعناب ، تتخذون منه ، واحتمل أن يكون : { تتخذون } ، صفة موصوف محذوف ، كقوله : { وما منا إلا له مقام معلوم } [ الصافات : 164 ] ، أي : وما منا إلا ملك ، فالتقدير : ومن ثمرات النخيل ومن الأعناب ثمر . { تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً } ؛ لأنهم يأكلون بعضها ، ويتخذون من بعضها السكر ، وهو : الخمر ، سميت بالمصدر من : سكر سكراً وسكراً ، نحو : رشد رشداً ورشداً . وعلى هذا التفسير ففي الآية قولان : أحدهما - ويروى عن الشعبي والنخعي - : أنها منسوخة ، فإن السورة مكية ، وتحريم الخمر نزل في المائدة ، وهي مدنية ، وثانيهما : أنها جامعة بين العتاب والمنة . وذكر المنفعة لا ينافي الحرمة ، على أن في الآية تنبيهاً على الحرمة أيضاً ؛ لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب في السكر ، أن لا يكون رزقاً حسناً ، لا بحسب الشهوة بل بحسب الشريعة . هذا ما عليه الأكثرون . وقيل : السكر : النبيذ ، وهو : عصير العنب ، والزبيب ، والتمر ، إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ، ثم يترك حتى يشتد ، وهو حلال عند أبي حنيفة إلى حد السكر . واحتج بأن الآية دلت على أن السكر حلال ؛ لأنه تعالى ذكره في معرض الإنعام والمنة ، ودل الحديث على أن الخمر حرام لعينها ، وهذا يقتضي أن يكون السكر شيئاً غير الخمر ، وكل من أثبت هذه المغايرة ، قال : إنه النبيذ المطبوخ . ويحكى عن أبي علي الجبائي أنه صنف كتاباً في تحليل النبيذ ، فلما آخذت منه السن العالية ، قيل له : لو شربت منه ما تتقوّى به ، فأبى ، فقيل له : فقد صنفت في تحليله . فقال : تناولته أيدي الشيطان ، فقبح عند ذوي المروءات والأقدار . وقيل : السكر : الطعم ، قاله أبو عبيدة . وقيل : السكر والرزق الحسن واحد ، كأنه قيل : تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.