غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ} (72)

71

الحالة الأخرى من أحوال الإنسان قوله عم طوله : { والله جعل لكم من أنفسكم } ، أي : من جنسكم ، { أزواجاً } ، ليكون الأنس به أتم . ولا ريب أن تخليق الذكور والإناث مستند إلى قدرة الله وتكوينه . والطبيعيون قد يذكرون له وجهاً قالوا : إن المني إذا انصب من الخصية اليمنى إلى الذكر ، ثم انصب منه إلى الجانب الأيمن من الرحم ، كان الولد ذكراً تاماً في الذكورة ، بناء على أن الذكر أسخن مزاجا ، ً وكذا الجانب الأيمن . وإن انصب من الخصية اليسرى ، إلى الجانب الأيسر من الرحم ، كان الولد تاماً في الأنوثية ، وإذا انصب من اليمنى إلى الأيسر ، كان ذكراً في طبيعة الإناث ، وإن كان بالعكس كان بالعكس . قال الإمام فخر الدين الرازي : هذه العلة ضعيفة فقد رأينا في النساء من كان مزاجه في غاية السخونة ، وفي الرجال من كان في غاية البرودة . ولقائل أن يقول : الكلام في المزاج الصنفي ، لا في المزاج الشخصي ، وهذا الإمام لم يفرق بينهما فاعترض بأحدهما على الآخر . { وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة } ، أصل الحفد الإسراع في الخدمة . والفاعل حافد ، والجمع حفدة . فقيل : أراد بها في الآية الأختان على البنات . وقيل : أولاد الأولاد . وقيل : أولاد المرأة من الزوج الأوّل ، وقيل : الخدم والأعوان . وقيل : البنون أنفسهم الجامعون بين الأمرين البنوّة والخدمة . وقيل : الأولى دخول الكل فيه . ثم ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة ؛ لأن لذة المنكوح لا تهنأ إلا بعد الفراغ من لذة المطعوم ، أو بعد الفراغ من تحصيل أسبابها . وأورد : " من " التبعيضية ؛ لأن لذة كل الطيبات لا تكون إلا في الجنة . ثم ختم الآية بقوله : { أفبالباطل يؤمنون } ، فقيل : الباطل ، هو : ما اعتقدوه من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها ، ونعمة الله ما عدده في الآيات السابقة . وقيل : الباطل ما زين لهم الشيطان ، من تحريم البحيرة ، والسائبة ، وغيرهما ، ونعمة الله ما أحل لهم . وإنما قال ههنا : { وبنعمة الله هم يكفرون } ، وفي آخر " العنكبوت " { وبنعمة الله يكفرون } [ الآية : 67 ] ؛ لأن تلك الآيات استمرت على الغيبة فلم يحتج إلى زيادة ضمير الغائب . وأما في الآية فقد سبق مخاطبات كثيرة ، فلم يكن بد من ضمير الغائب المؤكد ؛ لئلا يلتبس بالخطاب .

/خ83