غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (188)

176

ثم ذكر نوعاً آخر من إيذاء اليهود وأوعدهم عليه وسلى رسوله بذلك فقال : { لا تحسبن الذين يفرحون } من قرأ بتاء الخطاب وفتح الباب فالخطاب للرسول أو لكل أحد ، وأحد المفعولين { الذين يفرحون } والثاني { بمفازة } . وقوله : { فلا تحسبنهم } إعادة للعامل لطول الكلام وإفادة التأكيد . ومن ضم الباء في الثاني مع تاء فالخطاب للمؤمنين ، ومن ضمها مع ياء الغيبة فالضمير للذين يفرحون ، والمفعول الأول محذوف أي لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين ، والثاني للتأكيد .

ومعنى { بما أتوا } بما فعلوا . وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل . قال تعالى :

{ إنه كان وعده مأتياً }[ مريم : 61 ]{ لقد جئت شيئاً فرياً }[ مريم : 27 ] . ومعنى بمفازة من العذاب بمنجاة منه أي بمكان الفوز . وقال الفراء : أي ببعد منه لأن الفوز التباعد عن المكروه . في الصحيحين أن مروان قال لرافع أبوابه : اذهب إلى ابن عباس وقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهوداً فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، ثم قرأ ابن عباس { وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب } الآيتين . وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتاب من اليهود في الأرض كلها أن محمداً ليس نبي الله فأثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك . فاجتمعت كلمتهم على الكفر بمحمد والقرآن ، ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا ونحن أهل الصوم والصلاة ، نحن أولياء الله . فذلك قول الله { يفرحون بما أتوا } بما فعلوا { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } فأنزل الله هذه الآية . يعني بما ذكروا من الصوم والصلاة والعبادة . وعن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، فإذا قدم اعتذروا عنده وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فأنزل الله هذه الآية . وهذه الوجوه كلها مشتركة في الإتيان بما لا ينبغي ومحبة الحمد عليه ووصفه بسداد السيرة وحسن السريرة . ونحن إذا أنصفنا من أنفسنا وجدنا أكثر مجاري أمورنا على هذه الحالة ، فنسأله العصمة والهداية .

/خ189