غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

190

ثم قال : { فاستجاب لهم ربهم } أي أجابهم { أني } أي بأني { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } " من " في { منكم } للتبعيض . لأن كل عامل فرد من أفراد المخاطبين وفي " من " ذكر للتبيين لأن العامل إما ذكر وإما أنثى . وإضاعة العمل عبارة عن إضاعة ثوابه { بعضكم من بعض } أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد ، فكل واحد منكم من الآخر من أصله . أو المراد بعضكم كأنه من البعض الآخر لفرط اتصالكم واتحادكم كما يقال : فلان مني أي على خلقي وسيرتي . قال صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " . وقيل : المراد وصلة الإسلام . وهذه جملة معترضة بيّن بها شركة النساء مع الرجال فيما يرجع إلى استحقاق الثواب على العمل . روي أن أم سلمة قالت : يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت . ثم فصل عمل العامل منهم تفخيماً لشأن العمل وتنويهاً بذكره فقال : { فالذين هاجروا } أوطانهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده باختيارهم { وأخرجوا من ديارهم } ألجأهم الكفار إلى الخروج { وأوذوا في سبيلي } يريد طريق الدين { وقاتلوا وقتلوا } من قرأ بالتشديد فللتكثير وتكرر القتل فيهم . وقيل : أي قطعوا . ومن قرأ { قتلوا وقاتلوا } فإما لأن الواو لا تفيد الترتيب والترتيب الطبيعي : قاتلوا حتى قتلوا . وإما من قولهم : قتلنا ورب الكعبة إذا ظهرت أمارات القتل وإذا قتل قومه وعشيرته . وإما بإضمار " قد " أي قتلوا وقد قاتلوا { لأكفرنّ } جواب للقسم المقدر { عنهم سيئاتهم } وهو الذي طلبوه بقولهم : { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا } { ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار } وهو الذي طلبوه بقولهم { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } { ثوباً من عند الله } وهو الذي طلبوه من الثواب المقرون بالتعظيم بقولهم : { ولا تخزنا يوم القيامة } أي ثوباً يختص به وبقدرته وبفضله لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه .

يقول الرجل : عندي ما تريد أنا مختص به وبملكه وإن لم يكن بحضرته . و{ ثواباً } نصب على المصدر المؤكد أي إثابة أو تثويباً من عنده لأن قوله : { لأكفرن } { ولأدخلنهم } في معنى لأثيبنهم . وقال الكسائي : هو منصوب على القطع أي على الحال . وقال الفراء : نصب على التفسير كقولك : هو لك هبة أو بيعاً أو صدقة . ثم ختم بقوله : { والله عنده حسن الثواب } لأنه القادر على كل المقدورات ، العالم بكل المعلومات ، القاضي جميع الحاجات . وفي تعليقه حسن الإثابة على احتمال المشاق في دينه والصبر على صعوبة تكاليفه دليل على أن حكمة الله تعالى اقتضت نوط الثواب والجنة بالعمل حتى لا يتكل الناس على فضله بالكلية ، ولا يهملوا جانب العمل رأساً . عن الحسن : أخبر الله تعالى أنه استجاب لهم إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به ، فلا بد له من تقديمه بين يدي الدعاء يعني قوله :{ والعمل الصالح يرفعه }[ فاطر :10 ]

/خ200