غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

102

أما قوله : { فإذا قضيتم الصلاة } ففيه قولان : الأول فإذا قضيتم صلاة الخوف فواظبوا على ذكر الله في جميع الأحوال فإن ما أنتم عليه من الخوف والحرب جدير بذكر الله وإظهار الخشوع واللجا إليه . الثاني أن المراد بالذكر الصلاة أي صلوا قياماً حال اشتغالكم بالمسايفة والمقارعة ، وقعوداً جاثين على الركب حال اشتغالكم بالرمي ، وعلى جنوبكم مثخنين بالجراح . وأورد على هذا القول أن الذكر بمعنى الصلاة مجاز وأن المعنى يصير حينئذٍ : فإذا قضيتم الصلاة فصلوا وفيه بعد اللهم إلاّ أن يقال : المراد فإذا أردتم قضاء الصلاة فصلوا في شدّة التحام القتال .

واعلم أن الآية مسبوقة بحكمين : أحدهما بيان القصر في صلاة المسافر والثاني بيان صلاة الخوف . فقوله : { فإذا اطمأننتم } يحتمل أن يراد به فإذا صرتم مقيمين فأقيموا الصلاة تامة من غير قصر ألبتة . ويحتمل أن يراد فإذا زال الخوف وحصل سكون القلب فأقيموا الصلاة التي كنتم تعرفونها من غير تغيير شيء من هيئاتها { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } أي مكتوبة موقوتة محدودة بأوقات لا يجوز إخراجها عنها ولو في شدة الخوف ، وفيه دليل للشافعي في إيجابه الصلاة على المحارب في في حال المسايفة والاضطراب في المعركة إذا حضر وقتها . وعند أبي حنيفة هو معذور في تركها إلى أن يطمئن . وأوقات الصلاة الخمس مشهورة وقد يستدل عليها بقوله :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى }[ البقرة :238 ] فإن الوسطى يجب أن تكون مغايرة للصلوات لئلا يلزم التكرار فهي زائدة على الثلاث ، ولو كان الواجب أربعاً لم يوجد لها وسطى فإذاً أقلها خمس وسيجيء آيات أخر دالة على الأوقات الخمس كقوله :{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل }[ هود :114 ]{ أقم الصلاة لدلوك الشمس }[ الإسراء :78 ] وسنشرحها إن شاء الله تعالى في مواضعها .

قال المحققون : إن للإنسان خمس مراتب : سن النمو إلى تمام سن الشباب ، وسن الوقوف وهو أن يبقى ذلك الشخص على صفة كماله من غير زيادة ولا نقصان ، وسن الكهولة ويظهر فيها نقصان خفي في الإنسان ، وسن الشيخوخة ويظهر فيها نقصانات جلية فيه إلى أن يموت ويهلك . وأما المرتبة الخامسة فهي أخباره وآثاره إلى أن يندرس وينطمس ويصير كأن لم يكن ، وكذا الشمس إذا ظهر سلطانها من المشرق لا يزال يزداد ضياؤها إلى طلوع جرمها ، ثم يزداد ارتفاعها شيئاً بعد شيء إلى أن يبلغ وسط السماء ، ثم يظهر فيها نقصانات خفية من الانحطاط وضعف النور والحر إلى وقت العصر حين يصير ظل كل شيء مثله ، ثم تظهر النقصانات الجلية إلى أن يصير في زمان لطيف ظل كل شيء مثليه ، ثم أزيد إلى أن تغرب ، ثم يبقى أثرها في أفق المغرب وهو الشفق ، ثم ينمحي حتى يصير كأن الشمس لم توجد قط . فهذه الأحوال الخمس أمور عجيبة لا يقدر عليها إلاّ خالقها وخالق جميع الأشياء ، وموافقة لأسنان الإنسان فلهذا تعينت أوقاتها للعبادة والإقبال على المعبود الحق تعالى جده .

/خ113