غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مَّن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةً حَسَنَةٗ يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن يَشۡفَعۡ شَفَٰعَةٗ سَيِّئَةٗ يَكُن لَّهُۥ كِفۡلٞ مِّنۡهَاۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقِيتٗا} (85)

82

قوله سبحانه : { من يشفع شفاعة حسنة } وجه نظمه يعرف من تفسيره وذلك أنه قيل : المراد منه تحريض النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على الجهاد ، لأنه إذا كان يأمرهم بالغزو فقد جعل نفسه شفيعاً لهم في تحصيل الأغراض المتعلقة بالجهاد . وأيضاً التحريض وهو الحث على سبيل الرفق والتلطف والتهديد جار مجرى الشفاعة . وقيل : كان بعض المنافقين يشفع لمنافق آخر في أن يأذن له الرسول في التخلف عن الجهاد ، وكان بعض المؤمنين يشفع لمؤمن آخر عند مؤمن ثالث أن يحصل له عدّة الجهاد فنزلت . ونقل الواحدي عن ابن عباس أن الشفاعة الحسنة ههنا هي أن يشفع إيمانه بالله بقتال الكفار ، والشفاعة السيئة أن يشفع كفره بالله بمحبة الكفار وترك إيذائهم . وقال مقاتل : الشفاعة إلى الله إنما هي دعوة الله المسلم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك " فذلك النصيب والدعوة على المسلم بضد ذلك . وقال الحسن ومجاهد والكلبي وابن زيد : هي مطلق الشفاعة والحسنة منها هي التي بها روعي حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير وابتغى بها وجه الله ولم يؤخذ عليها رشوة كانت في أمر حائز لا في حد من حدود الله ولا في إبطال حق من الحقوق ، والسيئة ما كان بخلاف ذلك ، وعلى هذا فوجه النظم أن التحريض على الجهاد بعث على الفعل الحسن وأنه نوع شفاعة كما مر في القول الأول .

وعن مسروق أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع له جارية فغضب وردها وقال : لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك ولا أتكلم فيما بقي منها . قال أهل اللغة : الكفل أيضاً النصيب فهل لاختلاف اللفظين فائدة ؟ فأجيب بأن الكفل اسم للنصيب الذي يكون عليه اعتماد الإنسان ومنه يقال " كفل البعير واكتفله " إذا أدار حول سنامه كساء وركب . والكفيل الضامن لأن الغريم اعتمد عليه . والتقدير من يشفع شفاعة سيئة يكن له منها نصيب يعتمد عليه ويكون له ذخيرة في معاشه ومعاده والغرض التهكم وحصول ضد ذلك مثل :

{ فبشرهم بعذاب أليم }[ آل عمران :21 ] { وكان الله على كل شيء مقيتً } أي مقتدراً وحفيظاً . واشتقاقه من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها . والغرض أنه قادر على كل المقدورات حفيظ لجميع المعلومات فيجازي كل شافع بما يليق بحاله ،