غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ} (116)

101

{ وإذ قال الله } معطوف على مثله . والصحيح أن هذا القول أيضاً يوم القيامة لقوله عقيب ذلك { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم } وقيل : هذا عند رفع عيسى عليه السلام نظراً إلى أن «إذ » للماضي وقد مر توجيه ذلك . { أأنت قلت } استفهام بطريق الإنكار والغرض منه توبيخ النصارى . قال بعض المشككين : إن أحداً من النصارى لم يذهب إلى القول بإلهية عيسى عليه السلام وأمه مع القول بنفي إلهية الله تعالى . وأجيب بأن الإله هو الخالق وأنهم يعتقدون أن خالق المعجزات والكرامات التي ظهرت على يد عيسى ومريم هو عيسى ومريم وليس لقدرة الله سبحانه في ذلك مدخل ، فبهذا التأويل صح ما حكي عنهم . وأقول : يشبه أن يكون المراد بقوله { من دون الله } أي بعد الله فيكون التوبيخ على التثليث . أو المراد أنه لما دل البرهان على نفي تعدد الإله فمن قال بإلهية عيسى أو أمه لزمه القول بنفي المعبود الحق تعالى عن ذلك ولهذا قال عيسى { سبحانك } أي أنزهك تنزيهاً من أن يكون لك شريك . ثم لم يجب بأني قلت أو ما قلت لأن ذلك يجري مجرى الطهارة والتبرئة بل أجاب بقوله { ما يكون } أي ما ينبغي لي أن أقول قولاً لا يحق لي أن أقوله إظهاراً لغاية الخضوع والاستكانة . ثم فوّض الأمر إلى علمه المحيط بالكل فقال { أن كنت قلته فقد علمته } ثم علل ذلك بقوله { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك . وذكر النفس ثانياً لأجل المشاكلة وهو من فصيح الكلام ، أو تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي ، أو تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك ، أو تعلم ما أقول وأفعل ولا أعلم ما تقول وتفعل - عبارات للمفسرين - ثم أكد ما ذكر بقوله { إنك أنت علام الغيوب } .

/خ120