غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

27

التفسير : في النظم وجوه منها : أنه راجع إلى قوله :{ إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم }[ المائدة :11 ] فكأنه تعالى ذكر لأجل تسلية نبيّه صلى الله عليه وسلم قصصاً كثيرة كقصة النقباء وما انجرّ إليه الكلام من إصرار أهل الكتاب وتعنتهم بعد ظهور الدلائل القاطعة ، ثم ختمها بقصة ابني آدم وأنّ أحدهما قتل الآخر حسداً وبغياً ليعلم أنّ الفضل كان محسوداً بكل أوان . ومنها أنه عائد إلى قوله :{ يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب }[ المائدة :15 ] فإنّ هذه القصة وكيفية إيجاب القصاص بسببها كانت من أسرار التوراة . ومنها أنه من تمام قوله :{ نحن أبناء الله وأحباؤه }[ المائدة :18 ] أي لا ينفعهم كونهم من أولاد الأنبياء مع كفرهم كما لم ينفع قابيل . والمراد اتل على الناس أو على أهل الكتاب خبر ابني آدم من صلبه - هابيل وقابيل - تلاوة ملتبسة بالحق والصحة من عند الله تعالى ، أو ملتبسة بالصدق موافقة لما في التوراة والإنجيل أو بالغرض الصحيح وهو تقبيح الحسد والتحذير من سوء عاقبة الحاسد . أو اتل عليهم وأنت محق صادق لا مبطل هازل كالأقاصيص التي لا غناء فيها { إذ قربا } قال في الكشاف : نصب بالنبا أي قصتهم في ذلك الوقت أبو بدل من النبا أي نبأ ذلك الوقت على حذف المضاف والمقصود إذ قرب كل واحد منهما قرباناً إلاّ أنه جمعهما في الفعل اتكالاً على قرينة الحكاية ، أو لأنّ القربان في الأصل مصدر ، ثم سمي به ما يتقرب به إلى الله تعالى من ذبيحة أو صدقة .

يروى أنّ آدم عليه السلام كان يولد له في كل سنة بطن غلام وجارية ، فكان يزوّج البنت من بطن بالغلام من بطن آخر فولد قابيل وتوأمته إقليما وبعدهما هابيل وتوأمته لبودا . وكانت توأمه قابيل أحسن وأجمل فأراد آدم أن يزوّجها من هابيل فأبى قابيل وقال : أنا أحق بها وليس هذا من الله وإنما هو رأيك . فقال آدم لهما : قرّبا قرباناً فمن أيكما قبل قربانه زوّجتها منه . فقبل الله قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته فازداد قابيل سخطاً وقتل أخاه حسداً . هذا ما عليه أكثر المفسرين وأصحاب الأخبار . وقال الحسن والضحاك : إنهما ما كانا ابني آدم لصلبه وإنما كانا رجلين من بني إسرائيل لقوله عزّ من قائل : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } ومن البين أنّ صدور الذنب من أحد ابني آدم لا يصلح أن يكون سبباً لإيجاب القصاص على بني إسرائيل ، وزيف بأنّ الآية تدل على أنّ القاتل جهل ما يصنع بالمقتول حتى تعلم ذلك من عمل الغراب ولو كان من بني إسرائيل لم يخف عليه . قال مجاهد : أكل النار علامة الرد . وجمهور المفسرين على أنّ ذلك علامة القبول . وقيل : ما كان في ذلك الوقت فقير يدفع إليه ما يتقرّب إلى الله فكانت النار تنزل من السماء فتأكله . وإنما صار أحد القربانين مقبولاً والآخر مردوداً لأنّ حصول التقوى شرط في قبول الأعمال ولهذا قال تعالى حكاية عن المحق في جواب المبطل : { إنما يتقبل الله من المتقين } وذلك لأنه لما كان الحسد هو الذي حمله على توعده بالقتل فكأنه قال له : ما لك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على طاعة الله تعالى التي هي السبب في القبول ؟ قيل في هذه القصة : إنّ أحدهما جعل قربانه أحسن ما كان معه وكان صاحب غنم ، والآخر جعله أردأ ما كان معه وكان صاحب زرع . وقيل : إنه أضمر حين قرب أنه لا يزوّج أخته من هابيل سواء قبل أو لم يقبل . وقيل : لم يكن قابيل من أهل التقوى وفي الكلام حذف فكأن هابيل قال في جواب المتوعد : لم تقتلني ؟ قال : لأنّ قربانك صار مقبولاً . فقال هابيل : وما ذنبي إنما يتقبل الله من المتقين .

/خ40