غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

38

وهاهنا سؤال وهو أن خروجهم مع الرسول إن كان مفسدة فلم عاتب الله رسوله في إذنه لهم بالقعود ، وإن كان مصلحة فلم كره الله انبعاثهم ؟ والجواب أنه كان مفسدة لقوله عقيب ذلك { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً } وحديث العتاب ظاهر عند من لا يجوز الاجتهاد على الأنبياء لتمكنهم من استعلام الصواب بطريق الوحي ، وكذا على قول أبي مسلم . ومما يوهم أنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في الخروج قوله تعالى في هذه السورة { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً } [ التوبة : 83 ] وقوله في سورة الفتح { سيقول لك المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم } [ الفتح :15 ] إلى قوله { قل لن تتبعونا } [ الفتح : 15 ] وأما عندنا فإنما لم يستحسن الله من الرسول صلى الله عليه وسلم إذنه لهم بالقعود وإن كان قعودهم مصلحة لأنه أذن لهم قبل إتمام التفحص وإكمال التدبر ولأنه لو لم يأذن لهم فهم كانوا يقعدون من تلقاء أنفسهم فكان يصير ذلك القعود علامة على نفاقهم ولا تبقى حاجة إلى إظهار نفاقهم بوجوه أخر دالة على هتك أستارهم وكشف أسرارهم . قال معتزلة البصرة : في الآية دلالة على أنه تعالى موصوف بصفة الكراهة كما أنه موصوف بصفة الإرادة . قالت الأشاعرة : معنى كره الله أنه أراد عدم ذلك الشيء . وزيف بأن العدم يا يصلح أن يكون متعلق الإرادة لأن العدم مستمر فتعلق الإرادة به يكون تحصيلاً للحاصل . ويمكن أن يجاب بأن الإرادة صفة تقتضي ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر سواء في ذلك طرف الوجود وطرف العدم ، وطرف العدم غير حاصل إلا بإرادة العدم فكيف يكون تعلق الإرادة به تحصيلاً للحاصل ؟ وأيضاً عدم الشيء المخصوص ليس عدماً محضاً . أما قوله { وقيل اقعدوا } فيحتمل أن يكون قد جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمراً بالقعود ، ويحتمل أن يراد به قول الشيطان بطريق الوسوسة ، أو قول بعضهم لبعض لما أرادوا الاجتماع على التخلف ، أو هو قول الرسول كأنه غضب عليهم حين استأذنوه فقال على سبيل الزجر { اقعدوا مع القاعدين } فاغتنموا هذه اللفظة وقالوا قد أذن لنا فلهذا عوتب بقوله { لم أذنت لهم } أي لم ذكرت هذه اللفظة التي أمكنهم أن يتوسلوا بها إلى تحصيل غرضهم . ومعنى قوله { مع القاعدين } ذم لهم وتعجيز وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم الجثوم في البيوت . { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } قال المفسرون : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حدة - أسفل من ثنية الوداع - ولم يكن بأقل العسكرين ، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله يعزي نبيه { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً } فيكون استثناء متصلاً من أعم العام ، وحمله على الاستثناء المنقطع بناء على أن التقدير ما زادوكم خيراً إلا خبالاً ضعيف . والخبال في اللغة الفساد ومنه المخبل للمعتوه ، وللمفسرين عبارات ؛ قال الكلبي : إلا شراً . وقال سلمان إلا مكراً . وقال الضحاك : إلا غدراً . وقيل : إلا خبثاً . وقيل : هو الاضطراب في الرأي وذلك بتزيين أمر لقوم وتقبيحه لآخرين حتى يختلفوا وتتفرق كلمتهم . قالت المعتزلة : دلت الآية على أنه كره انبعاثهم لاشتماله على هذا الخبال والشر . وفيه دليل على أنه تعالى لا يريد إلا الخير والصلاح . ولقائل : أن يقول إثبات حكم كلي بحكم جزئي غير معقول . واعلم أنه سبحانه عد من مفاسد خروجهم ثلاثة : الأول : قوله { ما زادوكم إلا خبالاً } الثاني : { ولا أوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة } قال في الكشاف : زيد ألف في الكتابة لأن الفتحة كانت تكتب ألفاً قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفاً أخرى ونحوه

أو لأذبحنه } [ الآية : 21 ] في النمل { ولا أتوها } [ الآية : 14 ] في الأحزاب ، ولا رابع لها في القرآن . وفي الإيضاع قولان لأهل اللغة ؛ فقال أكثرهم : هو متعد يقال : وضع البعير إذا عدا ، وأوضعه الراكب إذا حمله على العدو . وعلى هذا يكون في الآية حذف والتقدير : ولأوضعوا ركائبهم . وقال الأخفش وأبو عبيد : إنه جاء لازماً ويقال : أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيراً حثيثاً . ومنه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة وعليه السكينة وأوضع في وادي محسر أي أسرع . قال الواحدي : والآية تشهد للأخفش وأبي عبيد . وعلى القولين المراد في الآية السعي بين المسلمين بالتضريب والنميمة والمبالغة في الأول أكثر لأن الراكب أسرع من الماشي . ومعنى { خلالكم } أي فيما بينكم . والخلل الفرجة فيما بين الشيئين . و { يبغونكم الفتنة } أي يبغون لكم . قال الأصمعي : يقال ابغني كذا وابغ لي أي اطلبه لأجلي . ومعنى الفتنة هنا افتراق الكلمة والتشويش في المقاصد فعند ذلك يحصل الانهزام أسرع ما يكون . فالحاصل من النوع الأول اختلاف الآراء ، ومن الثاني المشي بالنميمة لتسهيل ذلك الغرض . وأما النوع الثالث فذلك قوله { وفيكم سماعون لهم } قال مجاهد وابن زيد : أي عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم . وقال قتادة : فيكم من يسمع كلامهم ويقبل قولهم وإذا تعاضد الفاعل والقابل وقع الأثر على أكمل الوجوه لا محالة . واعترض على هذا القول بأنه كيف يجوز ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم ؟ وأجيب بأن ذلك إنما يقع لمن قرب عهده بالإسلام أو لمن جبل على الجبن والفشل أو لمن حسن ظنه ببعض المنافقين لقرابة أو هيبة ، وقلما يخلو الأقوياء من ضعيف سخيف أو أهل الحق من مبطل منافق ولهذا ختم الآية بقوله { والله عليم بالظالمين } الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم ونفاقهم وغيرهم بإلقاء الفتنة فيما بينهم .

/خ49