ثم نزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين { لو كان عرضاً قريباً } قال الزجاج : أي لو كان المدعو إليه فحذف لدلالة ما تقدم عليه . والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومنه قولهم : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، والمراد بالقرب سهولة مأخذه { وسفراً قاصداً } أي وسطاً بين القرب والبعد وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد أي ذو قصد لأن كل أحد يقصده . والشقة المسافة الشاقة الشاطة ، ووصف المسافة البعيدة بالبعد مبالغة نحو جد جدّة . وفحوى الكلام لو كانت المنافع قريبة الحصول والسفر وسطاً { لاتبعوك } طمعاً في الفوز بتلك المنافع ولكن طال السفر فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة . ثم أخبر أنه سيجدهم إذا رجع من الجهاد يحلفون بالله إما ابتداء على طريق إقامة العذر وإما عندما يعاتبهم بسبب التخلف وقد وقع كما أخبر فكان معجزاً . و{ بالله } متعلق ب { سيحلفون } أو هو من جملة كلام المتخلفين والقول مقدر في الوجهين أي سيحلفون بالله قائلين { لو استطعنا } وقوله { لخرجنا } سادّ مسدّ جوابي القسم ولو جميعاً . قيل : في الآية دلالة على أن قوله { انفروا } خطاب للمستطيعين وإلا لما أمكنهم جعل عدم الاستطاعة عذراً في التخلف . قال الجبائي : فيها دليل على أن الاستطاعة قبل الفعل وإلا لما كذبهم الله تعالى ، فإن لم من يخرج إلى القتال لم يكن مستطيعاً للقتال عند من يجعل الاستطاعة مع الفعل . وقال الكعبي : زائداً عليه فإن قيل : لم لا يجوز أن يراد أنهم ما كان لهم زاد ولا راحلة ولا يراد نفس القدرة ؟ قلنا إن من لا راحلة له يعذر في ترك الخروج فمن لا قدرة له أولى . وأيضاً الظاهر من الاستطاعة قوة البدن وإذا أريد به المال فلأنه يعين على ما يفعله الإنسان بقوة البدن . وأجيب بأن المعتزلة سلموا أن القدرة على الفعل لا تتقدم الفعل إلا بوقت واحد فإن الإنسان الجالس في مكان لا يكون قادراً في هذا الزمان على أن يفعل فعلاً في مكان بعيد عنه وإنما يقدر على فعله في المكان الملاصق لمكانه . فالقوم الذين تخلفوا ما كانوا قادرين على القتال عندنا وعندهم فيلزمهم ما ألزموه علينا فوجب المصير إلى تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فيسقط السؤال . ولقائل أن يقول : إنهم وإن كانوا غير قادرين على القتال إلا أنهم كانوا قادرين على الاشتغال بأسباب القتال فيعود السؤال . قال في الكشاف { يهلكون } بدل من { سيحلفون } أو حال أي يوقعونها في الهلاك بحلفهم الكاذب ، أو حال من ضمير { خرجنا } أي لخرجنا معكم وإن ألقينا أنفسنا في التهلكة . وإنما جاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم . حلف بالله ليفعلن أو لأفعلن فالغيبة على الإخبار والتكلم على الحكاية . قلت : وفي الوجه الأخير نظر للزوم بناء أول الكلام على التكلم وآخره على الغيبة ، ولعل الصحيح حينئذ أن لو قيل : لخرجنا معكم نهلك أنفسنا والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.