مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (12)

{ وَلَقَدْ أَخَذَ الله ميثاق بَنِي إسراءيل وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثني عَشَرَ نَقِيباً } هو الذي ينقب عن أحوال القوم ويفتش عنها . ولما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحا أرض الشام وكان يسكنها الكنعانيون الجبابرة وقال لهم : إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها وجاهدوا من فيها وإني ناصركم ، وأمر الله موسى عليه السلام أن يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم ، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به النقباء وسار بهم ، فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراماً عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا فحدثوا قومهم وقد نهاهم أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوقنا ويوشع بن نون وكانا من النقباء { وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ } أي ناصركم ومعينكم . وتقف هنا لابتدائك بالشرط الداخل عليه اللام الموطئة للقسم وهو { لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَءَاتَيْتُمُ الزكواة } وكانتا فريضتين عليهم { وَآمَنتُم بِرُسُلِي } من غير تفريق بين أحد منهم { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } وعظمتموهم أو نصرتموهم بأن تردّوا عنهم أعداءهم ، والعزر في اللغة الردّ ويقال عزرت فلاناً أي أدّبته يعني فعلت به ما يردعه عن القبيح كذا قاله الزجاج { وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً } بلا مَنٍّ وقيل : هو كل خير . واللام في { لأُِّّكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سيئاتكم } جواب للقسم وهذا الجواب سادّ مسد جواب القسم والشرط جميعاً { وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك مِنْكُمْ } أي بعد ذلك الشرط المؤكد المتعلق بالوعد العظيم { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل } أخطأ طريق الحق ، نعم من كفر قبل ذلك فقد ضل سواء السبيل أيضاً ولكن الضلال بعده أظهر وأعظم .