نقب في الجبل والحائط فتح فيه ما كان منسدّاً ، والتنقيب التفتيش ، ومنه { فنقبوا في البلاد } ونقب على القوم ينقب إذا صار نقيباً ، أي يفتش عن أحوالهم وأسرارهم ، وهي النقابة .
والنقاب الرجل العظيم ، والنقب الجرب واحده النقبة ، ويجمع أيضاً على نقب على وزن ظلم ، وهو القياس .
متبذلاً تبدو محاسنه *** يضع الهناء مواضع النقب
والنقبة سراويل بلا رجلين ، والمناقب الفضائل التي تظهر بالتنقيب .
وفلانة حسنة النقبة النقاب أي جميلة ، والظاهر أنّ النقيب فعيل للمبالغة كعليم ، وقال أبو مسلم : بمعنى مفعول ، يعني أنهم اختاروه على علم منهم .
وقال الأصم : هو المنظور إليه المسند إليه الأمر والتدبير ، عزر الرجل قال يونس بن حبيب : أثنى عليه بخير .
وقال الفراء : رده عن الظلم : ومنه التعزير لأنه يمنع من معاودة القبيح .
ألا بكرت ميّ بغير سفاهة *** تعاتب والمودود ينفعه العزر
وكم من ماجد لهم كريم *** ومن ليث يعزّر في النديّ
وعلى هذه النقول يكون من باب المشترك .
وجعله الزمخشري من باب المتواطىء قال : عزرتموه نصرتموه ومنعتموه من أيدي العدوّ ، ومنه التعزير وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد ، وهو قول الزجاج ، قال : التعزير الرّدع ، عزرت فلاناً فعلت به ما يردعه عن القبيح ، مثل نكلت به .
فعلى هذا يكون تأويل عزرتموهم رددتم عنهم أعداءهم انتهى .
ولا يصح إلا إن كان الأصل في عزرتموهم أي عزرتم بهم .
طلع الشيء برز وظهر ، واطلع افتعل منه .
غرا بالشيء غراء ، وغر ألصق به وهو الغرى الذي يلصق به .
وأغرى فلان زيداً بعمرو ولعه به ، وأغريت الكلب بالصيد أشليته .
وقال مورج : حرش بعضهم على بعض .
الفترة : هي الانقطاع ، فتر الوحي أي انقطع .
والفترة السكون بعد الحركة في الإجرام ، ويستعار للمعاني .
وإني لتعروني لذكراك فترة *** والهاء فيه ليست للمرة الواحدة ، بل فترة مرادف للفتور .
ويقال : طرف فاتر إذا كان ساجياً .
الجبار : فعال من الجبر ، كأنه لقوته وبطشه يجبر الناس على ما يختارونه .
والجبارة النخلة العالية التي لا تنال بيد ، واسم الجنس جبار .
سوابق جبار أثيث فروعه *** وعالين قنوانا من البسر أحمرا
التيه في اللغة : الحيرة ، يقال منه : تاه ، يتيه ، ويتوه ، وتوهته ، والتاء أكثر ، والأرض التوهاء التي لا يهتدى فيها ، وأرض تيه .
وقال ابن عطية : التيه الذهاب في الأرض إلى غير مقصود .
الأسى : الحزن ، يقال منه : أسى يأسى .
{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه أمر بذكر الميثاق الذي أخذه الله على المؤمنين في قوله :
{ وميثاقه الذي واثقكم به } ثم ذكر وعده إياهم ، ثم أمرهم بذكر نعمته عليه إذ كف أيدي الكفار عنهم ، ذكرهم بقصة بني إسرائيل في أخذ الميثاق عليهم ، ووعده لهم بتكفير السيآت ، وإدخالهم الجنة ، فنقضوا الميثاق وهموا بقتل الرسول ، وحذرهم بهذه القصة أن يسلكوا سبيل بني إسرائيل هو بالإيمان والتوحيد .
وبعث النقباء قيل : هم الملوك بعثوا فيهم يقيمون العدل ، ويأمرونهم بالمعروف ، وينهونهم عن المنكر .
والنقيب : كبير القوم القائم بأمورهم .
والمعنى في الآية : أنه عدد عليهم نعمه في أنْ بعث لأعدائهم هذا العدد من الملوك قاله النقاش .
وقال : ما وفى منهم إلا خمسة : داود .
وسليمان ابنه ، وطالوت ، وحزقيل ، وابنه وكفر السبعة وبدلوا وقتلوا الأنبياء ، وخرج خلال الاثني عشر اثنان وثلاثون جباراً كلهم يأخذ الملك بالسيف ، ويعبث فيهم ، والبعث : من بعث الجيوش .
وقيل : هو من بعث الرسل وهو إرسالهم والنقباء الرسل جعلهم الله رسلاً إلى قومهم كل نبي منهم إلى سبط .
وقيل : الميثاق هنا والنقباء هو ما جرى لموسى مع قومه في جهاد الجبارين ، وذلك أنه لما استقر بنو إسرائيل بمصر بعد هلاك فرعون أمرهم الله بالمسير إلى أريحا أرض الشام ، وكان يسكنها الكفار الكنعانيون الجبابرة وقال لهم : إني كتبتها لكم داراً وقراراً فاخرجوا إليها ، وجاهدوا من فيها ، وإني ناصركم .
وأمر موسى أنْ يأخذ من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم ، فاختار النقباء ، وأخذ الميثاق على بني إسرائيل ، وتكفل لهم به النقباء ، وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراماً عظاماً وقوة وشوكة ، فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم ، وقد نهاهم موسى أن يحدثوهم ، فنكثوا الميثاق ، إلا كالب بن يوقنا من سبط يهودا ، ويوشع بن نون من سبط أفراثيم بن يوسف وكانا من النقباء .
وذكر محمد بن حبيب في المحبر أسماء هؤلاء النقباء الذين اختارهم موسى في هذه القصة بألفاظ لا تنضبط حروفها ولا شكلها ، وذكرها غيره مخالفة في أكثرها لما ذكره ابن حبيب لا ينضبط أيضاً .
وذكروا من خلق هؤلاء الجبارين وعظم أجسامهم وكبر قوالبهم ما لا يثبت بوجه ، قالوا وعدد هؤلاء النقباء كان بعدد النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعين رجلاً والمرأتين الذين بايعوه في العقبة الثانية ، وسماهم : النقباء .
{ وقال الله إني معكم } أي بالنصر والحياطة .
وفي هذه المعية دلالة على عظم الاعتناء والنصرة ، وتحليل ما شرطه عليهم مما يأتي بعد ، وضمير الخطاب هو لبني إسرائيل جميعاً .
وقال الربيع : هو خطاب للنقباء ، والأول هو الراجح لانسحاب الأحكام التي بعد هذه الجملة على جميع بني إسرائيل .
{ لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } اللام في لئن أقمتم هي المؤذنة بالقسم والموطئة بما بعدها ، وبعد أداة الشرط أن يكون جواباً للقسم ، ويحتمل أن يكون القسم محذوفاً ، ويحتمل أن يكون لأكفرن جواباً لقوله : ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ، ويكون قوله : وبعثنا والجملة التي بعده في موضع الحال ، أو يكونان جملتي اعتراض ، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه .
وقال الزمخشري : وهذا الجواب يعني لأكفرنّ ، ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً انتهى .
وليس كما ذكر لا يسدّ لأكفرن مسدَّهما ، بل هو جواب القسم فقط ، وجواب الشرط محذوف كما ذكرنا .
والزكاة هنا مفروض من المال كان عليهم ، وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : وأعطيتم من أنفسكم كل ما فيه زكاة لكم حسبما ندبتم إليه قاله : ابن عطية .
وآمنتم برسلي ، الإيمان بالرسل هو التصديق بجميع ما جاؤا به عن الله تعالى .
وقدّم الصلاة والزكاة على الإيمان تشريفاً لهما ، وقد علم وتقرر أنه لا ينفع عمل إلا بالإيمان قاله : ابن عطية .
وقال أبو عبد الله الرازي : كان اليهود مقرين بحصول الإيمان مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وكانوا مكذبين بعض الرسل ، فذكر بعدهما الإيمان بجميع الرسل ، وأنه لا تحصل نجاة إلا بالإيمان بجميعهم انتهى ملخصاً .
وقرأ الحسن : برسلي بسكون السين في جميع القرآن ، وعزرتموهم .
وقرأ عاصم الجحدري : وعزرتموهم خفيفة الزاي .
وقرأ في الفتح : { وتعزروه } فتح التاء وسكون العين وضم الزاي ، ومصدره العزر .
وأقرضتم الله قرضاً حسناً : إيتاء الزكاة هو في الواجب ، وهذا القرض هو في المندوب .
ونبه على الصدقات المندوبة بذكرها فيما يترتب على المجموع تشريفاً وتعظيماً لموقعها من النفع المتعدي .
قال الفراء : ولو جاء إقراضاً لكان صواباً ، أقيم الاسم هنا مقام المصدر كقوله تعالى : { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً } لم يقل بتقبيل ولا إنباتاً انتهى .
وقد فسر هذا الإقراض بالنفقة في سبيل الله ، وبالنفقة على الأهل ، وبالزكاة .
ووصفه بحسن إما لأنه لا يتبع بمن ولا أذى ، وأما لأنه عن طيب نفس .
لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات : رتب على هذه الخمسة المشروطة تكفير السيآت ، وذلك إشارة إلى إزالة العقاب ، وإدخال الجنات ، وذلك إشارة إلى إيصال الثواب .
{ فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلّ سواء السبيل } أي بعد ذلك الميثاق المأخوذ والشرط المؤكد فقد أخطأ الطريق المستقيم .
وسواء السبيل وسطه وقصده المؤدي إلى القصد ، وهو الذي شرعه الله .
وتخصيص الكفر بتعدية أخذ الميثاق وإن كان قبله ضلالاً عن الطريق المستقيم ، لأنه بعد الشرط المؤكد بالوعد الصادق الأمين العظيم أفحش وأعظم ، إذ يوجب أخذ الميثاق الإيفاء به ، لا سيما بعد هذا الوعيد عظم الكفر هو بعظم النعمة المكفورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.