تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (12)

وقوله تعالى : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } هذا ، والله أعلم ، تعليم من الله تعالى هذه الأمة وإنباء منه أنه قد أخذ العهود والمواثيق على الأمم السالفة كما أخذ منكم لأنه ذكر أنه قد أخذ من هؤلاء الميثاق بقوله تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به } الآية [ المائدة : 7 ] ثم أعلمهم بما وعد لهم الثواب إن وفوا بتلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم وبما أوعد لهم من العقاب إن نقضوا العهود التي أخذ عليهم ليكونوا على حذر من نقضها وليقيموا على وفائها : أن يقال : إنما ذكر ما أخذ على أولئك من العهود والمواثيق ليكون ذلك آية من آيات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه إخبار عن الأمم السالفة ، وهو لم يشهدها ، ولا حضرها ، ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله .

ثم تحتمل تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم ما ذكر على إثرها وسياقها ، وهو قوله تعالى : { وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة } إلى آخر ما ذكر .

وتحتمل ما قال ابن عباس [ وهو إحلال ما ] أحل الله وتحريم ما حرم الله وحسن مؤازرتهم ، { وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } يعني ملكا ، وهم الذين بعثهم موسى إلى بيت المقدس ليعلموا له علمها .

ويحتمل أن يكونوا اختاروا من بينهم أولئك ، فسألوا موسى أن يجعلهم عليهم قدوة يقتدون بهم ، ويعلمونهم الدين والأحكام ، ويأخذ عليهم المواثيق والعهود ، والله أعلم .

ثم اختلف في النقيب ؛ قال بعضهم : النقيب هو الملك ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وقال أبو عوسجة : النقيب هو المنظور إليه والمصدور عن رأيه ، وهو من وجوه القوم ، وجمعه النقباء مثل العرفاء . وقال أبو عبيد : النقيب الأمير والضامن على القوم . وقال الكسائي والفراء : يقال منه : نقيب ، عليه أنقب ، نقابة ، وهو فرق العريف ، ويقال من العريف : عرفت عليهم عرافة ، وهم النقباء والعرفاء والمناكب ، واحدهم منكب ، وهم كالعون يكون مع العريف . وقال القتبي : الكفيل على القوم ، والنقابة والنكابة شبيهتان بالعرافة .

وقوله تعالى : { وقال الله إني معكم } قال بعضهم : قال للنقباء { إني معكم } في النصر والدفع عنكم { لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة } إلى آخر ما ذكر ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ويحتمل أن يكون هذا الوعد لكل من قام بوفاء ذلك [ من ] النقباء و غير النقباء ، وما ذكر من الوعيد في الآية التي هي على إثر هذه على كل من نقض ذلك العهد النقيب وغير النقيب .

ثم قوله تعالى : { لئن أقمتم الصلاة وءاتيتم الزكاة } يحتمل وجهين :

يحتمل أنه أراد بالصلاة الخضوع والثناء له وبالزكاة تزكية النفس وطهارتها ، وذلك في الفعل ؛ على كل أحد القيام به في كل وقت .

ويحتمل أن يكون أراد بالصلاة المعروفة المعهودة والزكاة المعروفة . ففيه دليل وجوب الصلاة والزكاة على الأمم السالفة .

وقوله تعالى : { وءامنتم برسلي } يحتمل أن تؤمنوا برسلي جميعا ، ولا تفرقوا بينهم : أن تكفروا ببعض ، وتؤمنوا ببعض كقولهم : { نؤمن ببعض ونكفر ببعض } [ النساء : 150 ] { وعزرتموهم } قال القتبي وأبو عوسجة ، قالا : وعظمتموهم ، والتعزير التعظيم . وقال بعضهم : نصرتموهم .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما [ أنه ] قال { وعزرتموهم } أعنتموهم ؛ يعني الأنبياء عليهم السلام .

[ وقوله تعالى ] : { وأقرضتم الله قرض حسنا } [ أي صادقا من كل أنفسكم [ ابتغيتم به ] وجه الله . وقال بعضهم : { وأقرضتم الله قرض حسنا } أي محتسبا ؛ طيبة [ به أنفسكم ] . ويحتمل قوله تعالى : { وأقرضتم الله قرضا حسنا } أي جعلتم عند الله أنفسكم أيادي ومحاسن ؛ تستوجبون بذلك الثواب الجزيل .

وقوله تعالى : { لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } وعد لهم بتكفير ما ارتكبوا من المآثم إذا قاموا بوفاء ما أخذ الله عليهم من المواثيق .

وقوله تعالى : { فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل } قال بعضهم : { فمن كفر بعد ذلك } أي بعد المواثيق والعهود التي أخذ عليهم . ويحتمل قوله تعالى : { فمن كفر بعد ذلك } أي من كفر { فقد ضل سواء السبيل } أي أخطأ سواء السبيل .