فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (12)

{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل ( 12 ) }

{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بني إسرائيل من الخيانة ، وقد تقدم بيان الميثاق الذي أخذه الله عليهم وأن الميثاق هو العهد باليمين ، وإسناد الأخذ إلى الله من حيث أنه أمر به موسى ، وإلا فالآخذ هو موسى بأمر الله له بذلك .

{ وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } اختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع منهم على أن كبير القوم القائم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها ، والنقاب الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ، ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم ، والنقيب الطريق في الجبل ، هذا أصله وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم والنقيب أعلى مكانا من العريف ، وقيل مشتق من التنقيب وهو التفتيش ، ومنه { فنقبوا في البلاد } .

فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء أنهم بعثوا على الإطلاع على الجبارين والنظر في قوتهم ومنعتهم ، فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك ، فاطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل وأن يعلموا به موسى عليه السلام ، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو ، وقالوا : اذهب أنت وربك فقاتلا .

وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ، وهذا معنى بعثهم .

وقيل لما توجه النقباء لتجسس أحوال الجبارين لقيهم عوج بن عنق وكان كذا وكذا ، وهذه القصة ذكرها كثير من المفسرين ، والمحققون من أهل الحديث على أنها لا أصل لها ولا عوج ولا عنق ، وقال ابن عباس : النقيب الضمين ، وقال قتادة : هو الشهيد على قومه ، وقيل الأمين الكفيل ، وقيل هو الباحث عن القوم وعن أحوالهم والمعاني متقاربة .

{ وقال الله إني معكم } أي قال ذلك لبني إسرائيل وقيل للنقباء وهو الأولى والمعنى إني معكم بالنصر والعون { لئن } اللام هي الموطئة للقسم أي والله لئن { أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي } تأخير الإيمان عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع كونهما من الفروع المترتبة عليه لما أنهم كانوا معترفين بوجوبهما مع ارتكابهم تكذيب بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام .

{ وعزرتموهم } التعزيز التعظيم والتوقير ، ويطلق التعزير على الضرب دون الحد والرد ، يقال عزرت فلانا إذا أدبته ورددته عن القبيح ، والمعنى عظمتموهم على الأول ، أو : رددتم عنهم أعدائهم ومنعتموهم على الثاني ، وقال ابن عباس : أي أعنتموهم ، وقال مجاهد : نصرتموهم .

{ وأقرضتم الله قرضا حسنا } أي أنفقتم في وجوه الخير ، والحسن قيل هو ما طابت به النفس ، وقيل ما ابتغي به وجه الله ، وقيل الحلال وقيل المراد بالزكاة الواجبة ، وبالقرض الصدقة المندوبة وخصها بالذكر تنبيها على شرفها { لأكفرن عنكم سيئاتكم } إشارة إلى إزالة العذاب { ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } إشارة إلى إيصال الثواب { فمن كفر بعد ذلك } الميثاق { منكم } أو بعد الشرط المذكور { فقد ضل سواء السبيل } فقد أخطأ وسط الطريق المستقيم .