فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (12)

قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ الله } كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بني إسرائيل من الخيانة . وقد تقدّم بيان الميثاق الذي أخذه الله عليهم . واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء ، بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها ، والنَّقَّابُ : الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ، ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم . والنقيب : الطريق في الجبل هذا أصله ، وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم . والنقيب : أعلى مكاناً من العريف ، فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء ، أنهم بعثوا أمناء على الإطلاع على الجبارين ، والنظر في قوّتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك ، فاطلعوا من الجبارين على قوّة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها ، فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل ، وأن يعلموا به موسى ، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم ، ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو ، وقالوا { اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا } وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ، وهذا معنى بعثهم ، وسيأتي ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك .

قوله : { وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ } أي : قال ذلك لبني إسرائيل ، وقيل للنقباء ؛ والمعنى : إني معكم بالنصر والعون ، واللام في قوله : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة } هي : الموطئة للقسم المحذوف ، وجوابه : { لأكَفّرَنَّ } وهو سادّ مسدّ جواب الشرط . والتعزير : التعظيم والتوقير ، وأنشد أبو عبيدة :

وكم من ماجد لهم كريم *** ومن ليث يعزر في الندّى

أي يعظم ويوقر . ويطلق التعزير على الضرب والردّ ، يقال عزّرت فلاناً : إذا أدّبته ورددته عن القبيح ، فقوله : { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } أي : عظمتموهم على المعنى الأوّل ، أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني . قوله { وَأَقْرَضْتُمُ الله قَرْضاً حَسَناً } أي : أنفقتم في وجوه الخير ، و { قَرْضًا } مصدر محذوف الزوائد ، كقوله تعالى : { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } أو مفعول ثان لأقرضتم . والحسن : قيل هو ما طابت به النفس ؛ وقيل ما ابتغى به وجه الله ؛ وقيل الحلال . قوله : { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك } أي : بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور ، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السبيل } أي : أخطأ وسط الطريق .

/خ14