الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ} (88)

قوله : { فلما{[35083]} دخلوا عليه }[ 88 ] . وفي الكلام{[35084]} حذف . والمعنى : فخرجوا إلى مصر ، فلما دخلوا على يوسف{[35085]} ، قالوا : { يا أيها العزيز } أي : الممتنع{[35086]} : { مسنا وأهلنا الضر }[ 88 ] : من الشدة ، والجدب{[35087]} . فخضعوا له ، وتواضعوا{[35088]} .

قال ابن إسحاق : خرجوا ببضاعة لا تبلغ{[35089]} ما يريدون من الميرة{[35090]} ، إلا أن يتجاوز لهم فيها{[35091]} ، فقالوا : { وجئنا ببضاعة مزجاة }[ 88 ] : أي : براهم لا تجوز{[35092]} في ثمن الطعام إلا بالمسامحة{[35093]} .

قال ابن عباس : مزجاة : دراهم زيوف{[35094]} .

وقال ابن أبي مليكة : مزجاة ، خلق الغرائر : والمتاع الحقير{[35095]} .

( مزجاة : يعني : قليلة{[35096]} ، إما لأنه متاع البادية لا يصلح للملوك ، وإما لأنه قال{[35097]} مزجاة تحتقر في كل مكان{[35098]} . وقد فسرها بعضهم بأنها البطم والصنوبر{[35099]} .

والبطم : هو الحبة الخضراء .

{ فأوف لنا الكيل }[ 88 ] : فكان يوسف هو الذي يكيل ، إشارة إلى أن الكيل والوزن على البائع{[35100]} .

وقيل : أتوا بالسمن ، والصوف{[35101]} .

وقال{[35102]} أبو صالح{[35103]} : أتو بالحبة الخضراء ، والصنوبر{[35104]} .

وقال الضحاك : مزجاة : كاسدة{[35105]} ، وأصله من التزجية ، وهي{[35106]} الدفع ، والسوق ، فكأنها بضاعة تدفع ، ولا يقبلها كل أحد . يقال : فلان يزجي العيش : أي : يدافع{[35107]} وعن مالك رضي الله{[35108]} عنه أن الزجاة هنا : الجائزة في كل موضع . واحتج ( مالك ){[35109]} في ( أن ){[35110]} أجرة الكيال والوزان على البائع بقولهم : { فأوف{[35111]} لنا الكيل }{[35112]} .

ثم قال{[35113]} : { وتصدق علينا }[ 88 ] : أي تفضل{[35114]} علينا ، {[35115]} ما{[35116]} بين الجياد والرديئة{[35117]} .

وقيل : المعنى : لا تنقصنا من السعر من أجل رداءة{[35118]} دراهمنا{[35119]} .

{ إن الله يجزي المتصدقين }[ 88 ] : أي : يثيب{[35120]} المتفضلين{[35121]} .

وقد اختلف الناس في الصدقة على الأنبياء . فقيل : إنها كانت حلالا ، ثم حرمت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم{[35122]} .

وقيل : ك( نانت ){[35123]} حراما على جميع الأنبياء{[35124]} .

( وقيل ){[35125]} : إنما سأل هؤلاء المسامحة ، لا الصدقة بعينها{[35126]} .

وقيل : إنهم إنما أرادوا بقولهم : { وتصدق علينا } : أي : تصدق علينا برد أخينا إلينا ، قاله ابن جريج{[35127]} .

قال السدي ، عن أبيه{[35128]} لما دخل إخوة يوسف/ على يوسف . وكان أكبرهم إذا

غضب قامت شعرة ( من عنده ){[35129]} ، وانبعثت دما فلا تزال{[35130]} كذلك حتى يمسه بعض ولد يعقوب . قال : فكلمه يوسف ، وعرف يوسف أنه أغضبه فانبعثت الشعرة دما ، أمر يوسف{[35131]} أخاه أن يدنو منه فيمسه ، ففعل فانقطع الدم ، ثم فعل ذلك مرة أخرى ، فعند ذلك تعارفوا{[35132]} .

قال ابن إسحاق : بلغني أنه لما كلموه بهذا{[35133]} الكلام ، فقالوا : { تصدق علينا } غلبته نفسه ، فارفضَّ دمعه باكيا ، ثم باح لهم بالذي كان يكتم{[35134]} ،


[35083]:ط: ولما.
[35084]:ق: في السلام.
[35085]:وهو قول الطبري في: جامع البيان 16/234.
[35086]:انظر: هذا التفسير في: إعراب النحاس 2/343.
[35087]:انظر: هذا التفسير في جامع البيان 16/334.
[35088]:انظر: إعراب النحاس 2/343.
[35089]:ق: بتلع.
[35090]:ق: الميراث.
[35091]:انظر: هذا القول في: جامع البيان 16/234.
[35092]:ق: يجوز.
[35093]:ط: بالمساكة. وانظر: جامع البيان 16/334.
[35094]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/235.
[35095]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/236.
[35096]:انظر هذا القول في: تفسير مجاهد 400، وعزاه أيضا في: جامع البيان 16/238-239، إلى الحسن، ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/127.
[35097]:ق: قال منك مزجوه تحتقري.
[35098]:وهو قول الزجاج في: معانيه 3/127.
[35099]:وهو قول أبي صالح وزيد بن أسلم في: المحرر 9/365.
[35100]:كل الخمسة أسطر ساقطة من ق.
[35101]:وهو قول عبد الله بن الحارث. انظر: جامع البيان 16/237-238، والجامع 9/166، ولم ينسبه الزجاج في معانيه 3/127.
[35102]:وقالوا.
[35103]:وهو.
[35104]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/237 والمحرر 9/365.
[35105]:انظر هذا القول في: جامع البيان 16/239.
[35106]:ق: وهو.
[35107]:وهو قول الزجاج في معانيه 3/127.3
[35108]:ساقط من ط.
[35109]:ساقط من ق.
[35110]:ساقط من ط.
[35111]:ط: فأوفي.
[35112]:انظر: استدلال مالك على أن أجرة الكيال والوزان على البائع في: الجامع 9/127، وفيه تعليل وجيه منه. أن المبتاع الدافع لدراهمه، يقول: إنها طيبة، فأنت الذي تدعي الرداءة، فانظر: لنفسك، وأيضا فإن النفع يقع له، فصار الأجر عليه، وما جرى على المبيع، فهو على المبتاع، وفي أحكام ابن العربي 1105: قال ابن القاسم، وابن نافع، عن مالك، قالوا ليوسف: فأوف لنا الكيل. فكان يوسف هو الذي يكيل، إشارة إلى أن الكيل، والوزن على البائع لأن الواجب عليه تمييز حق المشتري من حقه. وانظر: قول مالك أيضا في: أحكام القرآن للكياالهراسي 2/234.
[35113]:ط: قالوا.
[35114]:ق: تتفضل.
[35115]:ساقط من ط.
[35116]:ق: أي ما.
[35117]:وهو قول السدي في: جامع البيان 16/241، وعزاه أيضا في الجامع إلى: ابن جبير، والحسن.
[35118]:ط: ردات.
[35119]:انظر: هذا المعنى في: جامع البيان 16/241.
[35120]:ق: بوثيب.
[35121]:انظر المصدر السابق.
[35122]:هذا الرأي لابن عيينة، عن القاسم، كما في: جامع البيان 16/242، وضعفه ابن عطية في: المحرر 9/366 رادا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: نحن معاشر الأنبياء، لا تحل لنا الصدقة.
[35123]:ساقط من ق.
[35124]:جمهور الفقهاء اتفقوا على حرمة الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى آله أيضا، وقد ورد في ذلك أحاديث رواها الإمام مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، كلهم في الزكاة. وانظر: في ذلك – من جانب الفقهاء: المغني لابن قدامة 2/121. ونصب الراية للزيلعي 2/403، ونيل الأوطار للشوكاني 4/171. ومعالم السنن للخطابي 2/70. وقد عللوا منعها عليه صلى الله عليه وسلم، بأن النبوة شرف، والصدقة من أوساخ الناس.
[35125]:ساقط من ق.
[35126]:انظر: ما يفيد القول عن ابن شجرة في، الجامع 9/166، وهو قوله (تجوز عنا).
[35127]:انظر: هذا القول في جامع البيان 16/242 والمحرر 9/366، والجامع 9/166.
[35128]:كذا في النسختين معا ولعل الصواب عن أبي.
[35129]:ما بين قوسين ساقط من ق.
[35130]:ق: يزال.
[35131]:ط: مطموس.
[35132]:انظر: هذا الخبر مختصرا في: جامع البيان 16/200-201، والقول للسدي، وأورده القرطبي مطولا في: الجامع 9/159 عن ابن عباس. وهو من الإسرائيليات الشنيعة. ولعل في هذا التعبير إجحاف لأن الإسرائيليات إذا لم تخالف شرعنا ولا تكون من الأحكام المخالفة لشرعنا فلا تصدق ولا تكذب وكون هذه الصفة من أبناء يعقوب لا صفة له بالشناعة.
[35133]:ق: فهذا.
[35134]:ط: يكني، ق: يكن والتصويب من الطبري.