إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيۡهِ قَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَٰعَةٖ مُّزۡجَىٰةٖ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَيۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَجۡزِي ٱلۡمُتَصَدِّقِينَ} (88)

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي على يوسف بعد ما رجعوا إلى مصر بموجب أمرِ أبيهم وإنما لم يُذكر ذلك إيذاناً بمسارعتهم إلى ما أمروا به وإشعاراً بأن ذلك أمرٌ محققٌ لا يفتقر إلى الذكر والبيان ، { قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز } أي الملكُ القادرُ المتمنع ، { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر } الهُزالُ من شدة الجوع ، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } مدفوعةٍ يدفعها كلُّ تاجر رغبةً عنها واحتقاراً لها من أزجَيتُه إذا دفعتُه وطردتُه والريحُ تزجي السحابَ . قيل : كانت بضاعتُهم من متاع الأعراب صوفاً وسمناً ، وقيل : الصنوبرَ وحبةَ الخضراء ، وقيل : سُويقُ المُقْل والأقِطُ ، وقيل : دراهمَ زيوفاً لا تؤخذ إلا بوضيعة وإنما قدّموا ذلك ليكون ذريعةً إلى إسعاف مرامهم ببعث الشفقةِ وهو العطفُ والرأفة وتحريكُ سلسلة المرحمة .

ثم قالوا { فَأَوْفِ لَنَا الكيل } أي أتممْه لنا { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا } بردّ أخينا إلينا ، قاله الضحاك وابن جريج وهو الأنسبُ بحالهم نظراً إلى أمر أبيهم ، أو بالإيفاء أو بالمسامحة وقَبول المُزجاة أو بالزيادة على ما يساويها تفضلاً وإنما سمَّوه تصدقاً تواضعاً أو أرادوا التصدقَ فوق ما يعطيهم بالثمن بناء على اختصاص حُرمة الصدقة بنبينا عليه الصلاة والسلام وإنما لم يبدأوا بما أُمروا به استجلاباً للرأفة وللشفقة ليبعثوا بما قدّموا من رقة الحالِ رقةَ القلب والحنُوَّ على أن ما ساقوه كلامٌ ذو وجهين ، فإن قولهم : وتصدّق علينا { إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين } يحتمل الحملَ على المحملين فلعله عليه السلام حمله على المحمل الأول ولذلك { قَالَ } مجيباً عما عرّضوا به وضمّنوه كلامَهم من طلب ردِّ أخيهم { هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ } .