محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا } أي أهل مكة في تجارتهم { فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ } أي بما يشاهدونه من مواد الاعتبار { قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } أي ما يجب أن يعقل من التوحيد { أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } أي ما يجب أن يسمع من الوحي والتخويف { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } ، الضمير في { فإنها } للقصة . أو مبهم يفسره { الأبصار } . والمعنى : ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما هو في عقولهم باتباع الهوى والانهماك في الغفلة . وفائدة ذكر { الصدور } هو التأكيد مثل {[5549]} : { يقولون بأفواههم } و { طائر يطير بجناحيه } {[5550]} إلا أنه لتقرير معنى الحقيقة ، وهنا لتقرير معنى المجاز . وقال الزمخشري : الفائدة زيادة التصوير والتعريف وعبارته : الذي قد تعورف واعتقد ؛ أن العمى على الحقيقة مكانه البصر ، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها . واستعماله في القلب استعارة ومثل . فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ، ونفيه عن الأبصار احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار . كما تقول ( ليس المضاء للسيف ، ولكنه للسانك الذي بين فكيك ) ، فقولك ( الذي بين فكيك ) تقرير لما ادعيته للسانه ، وتثبيت . لأن محل المضاء هو هو لا غير . وكأنك قلت : ما نفيت المضاء عن السيف . وأثبته للسانك ، فلتة ولا سهوا مني ، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا .


[5549]:(3 آل عمران 167).
[5550]:(6 الأنعام 38).