يبايعونك : يوم الحديبية ، إذ بايع الصحابة الرسولَ على الموت في نصرته .
إنما يبايعون الله : لأن المقصود من بيعة الرسول وطاعته طاعة الله .
يدُ الله فوق أيديهم : نصره لهم أقوى من كل شيء .
إن الذين يبايعونك يا محمد على الثبات معك في نصر الإسلام وجهاد أعدائه ، إنما يبايعون الله ، ويدُ الله فوق أيديهم ، فمن نقض عهده منهم بعد ميثاقه ، عاد ضرر نقضِه على نفسه ، ومن وفى بالعهد فسيؤتيه الله أجراً عظيما في الدنيا و الآخرة .
وسبب هذه البيعة أن الرسول الكريم لمّا أشيع قتل عُثمان في مكة قال : لا نبرح حتى نناجزَ القوم . ودعا الناس إلى البيعة . فبايعوه تحت الشجرة ، وكانت بيعة الرضوان . ولما رأت قريش عزم الرسول الكريم وأصحابه على الحرب بدأت تتراجع وأرسلوا بعض الأشخاص يفاوضون النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعود من هذا العام ، ويأتي في العام المقبل لأداء العمرة . ووقع صلح الحديبية كما تذكر كتب التاريخ والسيرة .
ولما وقّع النبي الصلح مع قريش تحلل من إحرامه ونحر . ثم مكث مع أصحابه أياما في الحديبية عادوا بعدها إلى المدينة . وفي السنة التالية قصدوا مكة معتمرين ، ودخلوها وهم يهلّلون ويكبرون قائلين : لا اله إلا الله وحده ، نصر عبده ، وأعزّ جنده ، وهزم الأحزاب وحده . وأقاموا بمكة ثلاثة أيام يطوفون ويسعون وينحرون الهَدْي . وقد سميت هذه العمرة عمرة القضاء لأنها تمت قضاءً عن العمرة السابقة التي منعهم فيها المشركون ، ونزل فيها قوله تعالى : { لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ } [ الفتح : 27 ] .
قرأ حفص : بما عاهد عليهُ الله بضم الهاء في عليه . والباقون بكسرها .
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وروح : فسنوتيه بالنون ، والباقون : فسيؤتيه بالياء .
{ إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ } يوم الحديبية على الموت في نصرتك كما روي عن سلمة بن الأكوع وغيره أو على أن لا يفروا من قريش كما روي عن ابن عمر . وجابر رضي الله تعالى عنهم ، وسيأتي الكلام في تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى ، والمبايعة وقعت قبل نزول الآية فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحال الماضية ، وهي مفاعلة من البيع يقال : بايع السلطان مبايعة إذا ضمن بذل الطاعة له بما رضخ له ، وكثيراً ما تقال على البيعة المعروفة للسلاطين ونحوهم وإن لم يكن رضخ ، وما وقع للمؤمنين قيل يشير إلى ما في قوله تعالى : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ } [ التوبة : 111 ] الآية { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } لأن المقصود من بيعة الرسول عليه الصلاة والسلام وإطاعته إطاعة الله تعالى وامتثال أوامره سبحانه لقوله تعالى : { مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء : 80 ] فمبايعة الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه مشاكلة أو هو صرف مجاز ، وقرئ { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ لِلَّهِ } أي لأجل الله تعالى ولوجهه ، والمفعول محذوف أي إنما يبايعونك لله { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } استئناف مؤكد لما قبله لأنه عبارة عن المبايعة ، قال في الكشاف لما قال سبحانه : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } أكده على طريقة التخييل فقال تعالى : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وانه سبحانه منزه عن الجوارح وصفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما . وفي المفتاح أما حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك : فلان بين أنياب المنية ومخالبها ثم إذا انضم إليها المشاكلة كما في { يَدُ الله } الخ كانت أحسن وأحسن ، يعني أن في اسم الله تعالى استعارة بالكناية تشبيهاً له سبحانه وتعالى بالمبايع واليد استعارة تخييلية مع أن فيها أيضاف مشاكلة لذكرها مع أيدي الناس ، وامتناع الاستعارة في اسم الله تعالى إنما هو في الاستعارة التصريحية دون المكنية لأنه لا يلزم إطلاق اسمه تعالى على غيره سبحانه ، وروى الواحدي عن ابن كيسان اليد القوة أي قوة الله تعالى ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم أي ثق بنصرة الله تعالى لك لا بنصرتهم وإن بايعوك .
وقال الزجاج : المعنى يد الله في الوفاء فوق أيديهم أو في الثواب فوق أيديهم في الطاعة أو يد الله سبحانه في المنة عليهم في الهداية فوق أيديهم في الطاعة ، وقيل : المعنى نعمة الله تعالى عليهم بتوفيقهم لمبايعتك فوق نعمتهم وهي مبايعتهم إياك وأعظم منها ، وفيه شيء من قوله تعالى : { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للايمان } [ الحجرات : 17 ] وكل ذلك تأويلات ارتكبها الخلف وأحسنها ما ذكر أولاً ، والسلف يمرون الآية كما جاءت مع تنزيه الله عز وجل عن الجوارح وصفات الأجسام وكذلك يفعلون في جميع المتشابهات ويقولون : إن معرفة حقيقة ذلك فرع معرفة حقيقة الذات وأنى ذلك وهيهات هيهات ، وجوز أن تكون الجملة خبراً بعد خبر لإن ، وكذا جوز أن تكون حالاً من ضمير الفاعل في { يُبَايِعُونَكَ } وفي جواز ذلك مع كونها اسمية غير مقترنة بالواو كلام { فَمَن نَّكَثَ } نقض العهد { فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ } فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ، وروى الزمخشري عن جابر بن عبد الله أنه ما نكث أحد البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقاً ، والذي نقله الطيبي عن مسلم يدل على أن الرجل لم يبايع لا أنه بايع ونكث قال : سئل جابر كم كانوا يوم الحديبية ؟ قال : كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر رضي الله تعالى عنه آخذ بيده صلوات الله تعالى وسلامه عليه تحت الشجرة وهي سمرة فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم ، ولعل هذا هو الأوفق لظاهر قوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ } [ الفتح : 18 ] الآية .
وقرأ زيد بن علي { يَنكُثُ } بكسر الكاف { وَمَنْ أوفى بِمَا عاهد عَلَيْهِ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } هو الجنة وما يكون فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ويقال : وفى بالعهد وأوفى به إذا تممه وأوفى لغة تهامة ، ومنه قوله تعالى : { أَوْفُواْ بالعقود } [ المائدة : 1 ] { والموفون بِعَهْدِهِمْ } [ البقرة : 177 ] وقرئ { بِمَا عاهد } ثلاثياً .
وقرأ الجمهور { عَلَيْهِ } بكسر الهاء كما هو الشائع وضمها حفص هنا ، قيل : وجه الضم أنها هاء هو وهي مضمومة فاستصحب ذلك كما في له وضربه ، ووجه الكسر رعاية الياء وكذا في إليه وفيه وكذا فيما إذا كان قبلها كسرة نحو به ومررت بغلامه لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم ، وحسن الضم في الآية التوصل به إلى تفخيم لفظ الجلالة الملائم لتخفيم أمر العهد المشعر به الكلام ، وأيضاً إبقاء ما كان على ما كان ملائم للوفاء بالعهد وإبقائه وعدم نقضه ، وقد سألت كثيراً من الأجلة وأنا قريب عهد بفتح فمي للتكلم عن وجه هذا الضم هنا فلم أجب بما يسكن إليه قلبي ثم ظفرت بما سمعت والله تعالى الهادي إلى ما هو خير منه ، وقرأ ابن كثير . ونافع . وابن عامر . وروح . وزيد بن علي { فسنؤتيه } بالنون .
ومن باب الاشارة : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } يشير عندهم إلى كمال فناء وجوده صلى الله عليه وسلم وبقائه بالله عز وجل ، أيد ذلك بقوله سبحانه : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] .
{ 10 } { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }
هذه المبايعة التي أشار الله إليها هي { بيعة الرضوان } التي بايع الصحابة رضي الله عنهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على أن لا يفروا عنه ، فهي عقد خاص ، من لوازمه أن لا يفروا ، ولو لم يبق منهم إلا القليل ، ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها ، فأخبر تعالى : أن الذين بايعوك حقيقة الأمر أنهم { يُبَايِعُونَ اللَّهَ } ويعقدون العقد معه ، حتى إنه من شدة تأكده أنه قال : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : كأنهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة ، وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية ، وحملهم على الوفاء بها ، ولهذا قال : { فَمَنْ نَكَثَ } فلم يف بما عاهد الله عليه { فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } أي : لأن وبال ذلك راجع إليه ، وعقوبته واصلة له ، { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ } أي : أتى به كاملا موفرا ، { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } لا يعلم عظمه وقدره إلا الذي آتاه إياه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"إنّ الّذِينَ يُبايِعُونَكَ "بالحديبية من أصحابك على أن لا يفرّوا عند لقاء العدوّ، ولا يولّوهم الأدبار "إنّمَا يُبايِعُونَ اللّهَ" يقول: إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله، لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك...
وفي قوله: "يَدُ اللّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ" وجهان من التأويل:
أحدهما: يد الله فوق أيديهم عند البيعة، لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه صلى الله عليه وسلم.
والآخر: قوّة الله فوق قوّتهم في نُصرة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنهم إنما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نُصرته على العدوّ.
وقوله: "فَمَنْ نَكَثَ فإنّمَا يَنْكُثُ على نَفْسِهِ" يقول تعالى ذكره: فمن نكث بيعته إياك يا محمد، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك، وخالف ما وعد ربه "فإنّمَا يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ" يقول: فإنما ينقض بيعته، لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة، فلم يضرّ بنكثه غير نفسه، ولم ينكث إلا عليها، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه، نكث الناكث منهم، أو وفى ببيعته.
وقوله: "وَمَنْ أوْفَى بِمَا عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ..." الآية، يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدوّ في سبيل الله ونُصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه "فَسَيُؤْتِيهِ أجْرا عَظِيما" يقول: فسيعطيه الله ثوابا عظيما، وذلك أن يُدخله الجنة جزاءً له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الأيمان...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أجمع أهل التأويل أو عامتهم على أن المبايعة المذكورة في هذه الآية، هي البيعة التي كانت بالحُديبيّة؛ بايعوه على ألا يفرّوا إذا لقوا عدوًّا. وجائز أن تكون المبايعة على ألا يفرّوا كما ذكر في آية أخرى: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار} [الأحزاب: 15]. والمبايعة هي المعاهدة. ألا ترى أنه قال في الآية: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله} ذكر في أول الآية المبايعة وفي آخرها المعاهدة ليُعلم أن المبايعة والمعاهدة سواء، والله أعلم.
ثم إضافة مبايعتهم رسوله إلى نفسه تحتمل وجهين:
والثاني: ذكر ونسب المبايعة إلى نفسه لعظيم قدره وجليل منزلته عنده، والله أعلم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " فالمراد بالبيعة المذكورة -ههنا- بيعة الحديبية، وهي بيعة الرضوان -في قول قتادة ومجاهد- والمبايعة معاقدة على السمع والطاعة، كالمعاقدة في البيع والشراء بما قد مضي فلا يجوز الرجوع فيه. وقيل: إنها معاقدة على بيع أنفسهم بالجنة للزومهم في الحرب النصرة.
وقوله " يد الله فوق أيديهم " قيل في معناه قولان:
أحدهما – عقد الله في هذه البيعة فوق عقدهم لأنهم بايعوا الله ببيعة نبيه (صلى الله عليه وآله).
والآخر -قوة الله في نصرة نبيه (صلى الله عليه وآله) فوق نصرتهم. وقيل يد الله في هدايتهم فوق أيديهم بالطاعة.
وقوله " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " والنكث: النقض للعقد الذي يلزم الوفاء به، فبين تعالى أن من نقض هذه المبايعة، فإنما ينكث على نفسه، لأن ما في ذلك من استحقاق العقاب عائد عليه "ومن أوفى" يقال: أوفى بالعقد، ووفى... " بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " أي إذا أوفى بالبيعة ونصر دينه ونبيه آتاه الله في ما بعد أجرا عظيما وثوابا جزيلا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}... الله تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] والمراد: بيعة الرضوان. {فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه... وقرئ: «إنما يبايعون لله» أي: لأجل الله ولوجهه...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والمبايعة في هذه الآية مفاعلة من البيع، لأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} كقوله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايَع بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم...
{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} أي: إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه، {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} أي: ثوابًا جزيلا. وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سَمُر بالحديبية...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن الذين}. ولما كان المضارع قد يراد به مطلق الوقوع لا بقيد زمن معين كما نقلته في أول سورة البقرة عن أبي حيان وغيره، عبر به- ترغيباً في تجديد مثل ذلك والاستمرار عليه فقال: {يبايعونك} أي- في بيعة الرضوان وقبلها وبعدها على ما جئت به من الرسالة التي مقصودها الأعظم النذارة...
{إنما يبايعون الله} أي الملك الأعظم لأن عملك كله من قول وفعل له...
{يد الله} أي المتردي بالكبرياء، ولما كان منزهاً عما قد يتوهم من الجارحة مما فيه شائبة نقص أومأ إلى نفي ذلك بالفوقية مع ما فيه من الدلالة على تعظيم البيعة فقال: {فوق أيديهم} أي في المبايعة عالية عليهم بالقدرة و القوة والقهر والعزة، والتنزه عن كل شائبة نقص...
{فمن نكث} أي نقض في وقت من الأوقات فجعلها كالكساء الخلق والحبل البالي الذي ينقض {فإنما ينكث} وعبر بالمضارع إشارة إلى أن من فعل النكث فهو في كل لحظة ناكث نكثاً جديداً {على نفسه} لا على غيرها فإنه بمرأى من الله ومسمع وهو- قادر عليه جدير بأن يعاقبه بعد ما عجل لنفسه من العار العظيم في الدنيا ويستحل به على نكثه عذاباً أليماً، ولا يضر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فإن الله ناصره لا محالة...
{ومن أوفى} أي فعل الإتمام والإكثار والإطالة {بما عهد} وقدم الظرف اهتماماً به فقال: {عليه الله} أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً من هذه المبايعة وغيرها فإنما وفاؤه لنفسه {فسيؤتيه} أي بوعد لا خلف فيه {أجراً عظيماً} لا يسع عقولكم شرح وصفه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله. يد الله فوق أيديهم).. وهو تصوير رهيب جليل للبيعة بينهم وبين رسول الله [صلى الله عليه وسلم] والواحد منهم يشعر وهو يضع يده في يده، أن يد الله فوق أيديهم. فالله حاضر البيعة. والله صاحبها. والله آخذها. ويده فوق أيدي المتبايعين...
. (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه).. فهو الخاسر في كل جانب...
(ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما).. هكذا على إطلاقه: أجرا عظيما.. لا يفصله ولا يحدده. فهو الأجر الذي يقول عنه الله إنه عظيم. عظيم بحساب الله وميزانه ووصفه الذي لا يرتقي إلى تصوره أبناء الأرض المقلون المحدودون الفانون!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والكلام تحذير من نكث هذه البيعة وتفظيع له لأن الشرط يتعلق بالمستقبل...
والظاهر عندي: أن سبب المبايعة قد انعدم بالصلح الواقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة وأن هذه الآية نزلت فيما بين ساعة البيعة وبين انعقاد الهدنة وحصل أجر الإيفاء بالنية عدمه لو نزل ما عاهدوا الله عليه...