ولما بين تعالى أنه مرسل ذكر أنّ من بايع رسوله فقد بايعه . فقال تعالى :
{ إنّ الذين يبايعونك } يا أشرف الرسل بالحديبية على أن لا يفروا { إنما يبايعون الله } أي : الملك الأعظم لأنّ عملك كله من قول أو فعل له تعالى وما ينطق عن الهوى وسميت مبايعة لأنهم باعوا أنفسهم فيها من الله تعالى بالجنة قال الله تعالى : { إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة } [ التوبة : 111 ]
الآية «وروى يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة بن الأكوع على أيّ شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال : على الموت » وعن معقل بن يسار قال : «لقد رأيتني يوم الشجرة والنبيّ صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه ونحن أربعة عشر مائة قال : لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ » قال أبو عيسى : معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت . أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا : لا نفر . وقوله تعالى : { يد الله } أي : المتردّي بالكبرياء { فوق أيديهم } أي : في المبايعة يحتمل وجوهاً وذلك أنّ اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنى واحد وإمّا أن تكون بمعنيين فإن كانت بمعنى واحد ففيه وجهان : أحدهما قال الكلبي : نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة كما قال تعالى : { بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان } [ الحجرات : 17 ] ثانيهما : قال ابن عباس ومجاهد : يد الله بالوفاء بما وعدهم من النصر والخير أقوى وأعلى من نصرتهم إياه . يقال : اليد لفلان أي الغلبة والقوة . وإن كانت بمعنيين ففي حق الله تعالى بمعنى الحفظ . وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة . قال السدّي : كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ويد الله تعالى فوق أيديهم في المبايعة وذلك أنّ المتبايعين إذا مدّ أحدهما يده إلى الآخر في البيع وبينهما ثالث يضع يده على أيديهما ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ولا يترك أحدهما يترك يد الآخر لكي يلزم العقد ولا يتفاسخان فصار وضع اليد فوق الأيدي سبباً لحفظ البيعة فقال تعالى : { يد الله فوق أيديهم } يحفظهم على البيعة كما يحفظ المتوسط أيدي المتبايعين . قال البقاعي : فلعنة الله على من حمله على الظاهر من أهل العناد ببدعة الاتحاد وعلى من تبعهم على ذلك من الذين شاقوا الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وسائر الأئمة الأعلام ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا أتباع فرعون اللعين وناهيك به من ضلال مبين ا . ه وقد مرّ أنّ التأويل في الآيات المتشابهات مذهب الخلف ، ومذهب السلف السكوت عن التأويل وإمرار الصفات على ما جاءت وتفسيرها قراءتها والإيمان بها من غير تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل . { فمن نكث } أي : نقض البيعة في وقت من الأوقات فجعلها كالكساء والحبل البالي الذي ينقض { فإنما ينكث } أي : يرجع وبال نقضه { على نفسه } أي : فلا يضرّ إلا هي { ومن أوفى } أي : فعل الإتمام والإكثار والإطالة { بما عاهد } وقدم الظرف في قوله { عليه الله } أي الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً من هذه المبايعات وغيرها اهتماماً به . وقرأ حفص بضم الهاء قبل الاسم الجليل والباقون بكسر الهاء والترقيق { فسيؤتيه } بوعد مؤكد لا خلف فيه { أجراً عظيماً } لا تسع عقولكم شرح وصفه . قال ابن عادل : والمراد به الجنة وقرأ أبو عمرو والكوفيون بالياء التحتية والباقون بالنون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.