الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (10)

{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يا محمّد بالحديبية على أن لا يفروا { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } .

أخبرنا ابن منجويه ، حدّثنا ابن حبش المقري ، حدّثنا محمّد بن عمران ، حدّثنا أبو عبد الله المخزومي ، حدّثنا سفيان بن عينية ، عن " عمرو بن دينار إنّه سمع جابراً يقول : كنّا يوم الحديبية ألف وأربعمائة ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم اليوم خير أهل الأرض " قال : وقال لنا جابر : لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة ، وقال : بايعنا رسول الله تحت السمّرة على الموت على أن لا نفرّ ، فما نكث أحد منّا البيعة ، إلاّ جد بن قيس وكان منافقاً ، اختبأ تحت أبط بعيره ، ولم يسر مع القوم . { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } قال ابن عبّاس : { يَدُ اللَّهِ } بالوفاء لما وعدهم من الخير { فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } بالوفاء .

وقال السدي : { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وذلك إنّهم كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ، و { يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } عند المبايعة .

وقال الكلبي : معناه نعمة الله عليهم فوق ما صنعوا من البيعة ، وقال ابن كيسان : قوّة الله ونصرته فوق قوّتهم ونصرتهم .

{ فَمَن نَّكَثَ } يعني البيعة { فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } عليه وباله { وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ } قرأ أهل العراق ( بالياء ) ، وغيرهم ( بالنون ) .

{ أَجْراً عَظِيماً } وهو الجنّة { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ } قال ابن عبّاس ومجاهد : يعني أعراب غفار ، ومزينة ، وجهينة ، وأشجع ، وأسلم ، والديك ، وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكّة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب ، وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب ويصدّوه عن البيت ، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي ليعلم النّاس أنّه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب ، وقالوا : نذهب معه إلى قوم ، قد جاؤوه ، فقتلوا أصحابه ، فنقاتلهم ، فتخلّفوا عنه . واعتلُّوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى : { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ }