تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

مزّقناهم كل ممزق : فرقناهم في البلاد .

فبطروا وملّوا تلك النعم ، { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وظلموا أَنفُسَهُمْ } :

إذ عرّضوها للسخط والعذاب ، بنكران النعمة وعدم الوفاء بشكرها ، فجعلناهم أحاديث للناس ، وفرقناهم مشتتين في البلاد حتى صار يضرب بهم المثل فيقال : « تفرّقوا أيدي سبأ » أي : متفرقين كأهل سبأ ، وأيدي : تعني طُرقا ، ومن معاني اليد : الطريق .

ونزلت قبيلة غسان في حوران وأنشأت دولة الغساسنة ، وكانت عاصمتهم بُصرى ، وعدد ملوكهم 32 ملكا أولهم جفنة بن عمرو وآخرهم جَبَلَة بن الأيهم « أولاد جفنة بالزمان الأول » . ونزلت قبيلة لَخْم في الحِيرة من أرض العراق وأقامت دولة المناذرة . ونزلت قبيلة كِندة في نجد ، وبعضهم ذهب إلى حضرموت ، وأسسوا دويلات اليمن عبر التاريخ

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } : إن فيما حلّ بهؤلاء من النعمة والعذاب عظاتٍ لكل صبّار على البلاء ، شكور على النعم والعطاء .

قراءات :

قرأ أبو عمرو وابن كثير وهشام : { ربنا بعّد بين أسفارنا } ، وقرأ يعقوب : { باعدَ } فعل ماضي ، والباقون : { باعدْ بين أسفارنا } .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

قوله تعالى : { فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا } فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزود الأزواد ، فجعل الله لهم الإجابة . وقال مجاهد : بطروا النعمة وسئموا الراحة . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : بعد بالتشديد من التبعيد ، وقرأ الآخرون : باعد ، بالألف ، وكل على وجه الدعاء والسؤال ، وقرأ يعقوب : ربنا برفع الباء ، باعد بفتح العين والدال على الخبر ، كأنهم استبعدوا أسفارهم القريبة بطروا وأشروا . { وظلموا أنفسهم } بالبطر والطغيان . قوله تعالى :{ فجعلناهم أحاديث } عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم ، { ومزقناهم كل ممزق } فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق . قال الشعبي : لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد ، أما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان ، وخزاعة إلى تهامة ، ومر آل خزيمة إلى العراق ، والأوس والخزرج إلى يثرب ، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر ، وهو جد الأوس والخزرج . { إن في ذلك لآيات } لعبراً ودلالات ، { لكل صبار } عن معاصي الله ، { شكور } لأنعمه ، قال مقاتل : يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء شاكر للنعماء . قال مطرف : هو المؤمن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

قوله : { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } { رَبَّنَا } ، منصوب على النداء وهو قول أكثر المفسرين وأهل اللغة{[3804]} فقد بطروا النعمة وسئموا من طول العافية فطلبوا الكدّ والتعب وبعد الأسفار ليزداد نصبهم وشقاؤهم فيكون ما يجلبونه أشهى وأغلى . وذلك هو دأب البطرين الفارهين الذين يملون النعمة وطول الرخاء والعافية فتجنح نفوسهم للشقاء والشظف بدلا من شكرهم لله على أنعمه وإفراده بالطاعة والعبادة .

قوله : { وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } وذلك بتعريض أنفسهم لعذاب الله وسخطه بسبب عصيانهم وتكذيبهم وجحدهم النعم ؛ إذ بطروها وغمطوها .

قوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي يتحدث الناس بقصتهم وأخبارهم على سبيل التلهي والتعجب ، معتبرين بعاقبتهم وما آلوا إليه من سوء المصير .

قوله : { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي فرّقناهم بالتباعد كل تفريق فتبددوا في البلاد . وقال الزمخشري في ذلك : لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والأزد بعُمان .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يعني : إن في قصص هؤلاء البطرين الممزقين كل ممزّق لعظات وعبرا لكل امرئ شأنه الصبر عن المعاصي وعلى الطاعات ، والشكر لله على ما أنعم به وتفضل{[3805]} .


[3804]:الدر المصون ج 9 ص 175
[3805]:البحر المحيط ج 7 ص 262 وروح المعاني ج 22 ص 130-133