التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدۡ بَيۡنَ أَسۡفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَحَادِيثَ وَمَزَّقۡنَٰهُمۡ كُلَّ مُمَزَّقٍۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ} (19)

قوله : { فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } { رَبَّنَا } ، منصوب على النداء وهو قول أكثر المفسرين وأهل اللغة{[3804]} فقد بطروا النعمة وسئموا من طول العافية فطلبوا الكدّ والتعب وبعد الأسفار ليزداد نصبهم وشقاؤهم فيكون ما يجلبونه أشهى وأغلى . وذلك هو دأب البطرين الفارهين الذين يملون النعمة وطول الرخاء والعافية فتجنح نفوسهم للشقاء والشظف بدلا من شكرهم لله على أنعمه وإفراده بالطاعة والعبادة .

قوله : { وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } وذلك بتعريض أنفسهم لعذاب الله وسخطه بسبب عصيانهم وتكذيبهم وجحدهم النعم ؛ إذ بطروها وغمطوها .

قوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ } أي يتحدث الناس بقصتهم وأخبارهم على سبيل التلهي والتعجب ، معتبرين بعاقبتهم وما آلوا إليه من سوء المصير .

قوله : { وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي فرّقناهم بالتباعد كل تفريق فتبددوا في البلاد . وقال الزمخشري في ذلك : لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والأزد بعُمان .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } يعني : إن في قصص هؤلاء البطرين الممزقين كل ممزّق لعظات وعبرا لكل امرئ شأنه الصبر عن المعاصي وعلى الطاعات ، والشكر لله على ما أنعم به وتفضل{[3805]} .


[3804]:الدر المصون ج 9 ص 175
[3805]:البحر المحيط ج 7 ص 262 وروح المعاني ج 22 ص 130-133